* بقلم - جيمس غلانز ( * ) :
لم يروا البقعة الشاحبة لأثر الطائرة عند زاوية نافذة الرؤية لكاميرا الفيديو في الساعة الثامنة و46 دقيقة صباحا.
غير أن كاميرا الفيديو التي اظهرت البرجين التوأمين من مقعد المرافق في سيارة رياضية في بروكلين تركت تدور وتدور عندما اختفت الطائرة للحظة ثم كان هناك سكون وانبعثت رويدا رويدا كتلة من الدخان والأتربة من البرج الشمالي.
كما لو أن نوعا من التسرب الغامض قد حدث فجأة، دخلت السيارة الرياضية التي كانت تنقل عاملا مهاجرا من جمهورية التشيك يقوم بإعداد بطاقة بريدية مصورة بالفيديو لإرسالها لوطنه، مدخل النفق وظهرت- أمام المفاجأة التي لحقت بالرجال الثلاثة داخل السيارة- أسفل البرج المحترق، انقضاض طائر على فريسة.
كاميرا الفيديو التي كانت موجهة لأعلى، قامت بتقريب الصورة وأبعادها، ثم بعدئذ، مع زئير في الخلفية سرعان ما تطور إلى صراخ حاد، توقفت عند المشهد المفزع للطائرة الثانية وهي تنقض، كانقضاض طائر رهيب على فريسة، منحدرة لأسفل مخترقة البرج الجنوبي.
كان قد انقضى اسبوعان تقريبا قبل أن يدرك العامل بافيل هلافا أنه ظفر بصورة الطائرة الأولى في الفيديو الخاص به، حتى عندئذ، لم يدرك هلافا، الذي لا يكاد يتحدث الإنجليزية، أنه اقتنى أندر مجموعة من الصور لكارثة مركز التجارة العالمي.
إن شريط الفيديو الذي صوره هو الشريط الوحيد المعروف حتى الآن الذي سجل ما فعلته الطائرتان، كما أنه الثاني من نوعه - من حيث الجودة -الذي يصور الهجوم الأول، جرى عرض الشريط على الجمهور الآن فقط، عشية الذكرى الثانية للهجمات.
شريط نادر
عند مرحلة ما، قايض صديق لزوجة السيد هلافا نسخة من شريط الفيديو بتذكرة دخول أحد المسارح في ريدجوود في كوينز، حاول السيد هلافا وشقيقه، جوزيف، الذي كان معه في السيارة الرياضية المجهزة في 11 سبتمبر، في مرات متعددة بيع الشريط. في كل من نيويورك وجمهورية التشيك معا، لكن لافتقادهما الخبرة بالإعلام ولعدم إدراكهما لأهمية الشريط، فان الشقيقين لم يحققا نجاحا. في النهاية علمت إحدي السيدات بأمر الشريط،روت السيدة القصة لمصور أخبار يعمل حرا، وتمكن ذلك الرجل -ولتر كارلينغ- من إحضار الشريط لصحيفة نيويورك تايمز.
في شريط الفيديو كانت الطائرة الأولى تبدو بعيدة، كما لم تكن يدا المهاجرالتشيكي هلافا ثابتين على آلة التصوير في أوقات عديدة من التصوير الذي استغرق ساعة من الوقت.
المحققون الفيدراليون الذين يقومون بدراسة انهيار البرجين يقولون بأنهم يحاولون الآن الحصول على نسخة من الشريط التماسا للمعلومات المضمنة فيه.
إن نقص المعلومات حول الهجوم الأول قد شكل - على سبيل المثال- تحديا كبيرا أمام المهندسين الذين يحاولون أن يفهموا بدقة سبب انهيارالبرج الشمالي، قد يساعد الشريط مثلا المحققين على معرفة السرعة التي كانت تطير بها الطائرة الأولى حين اصطدمت بالبرج.
في حوار أجري معه، قال السيد هلافا، إن انقضاء الكثير من الوقت على الأحداث قد جعله يشك في رغبة أي شخص في الحصول على الشريط.
وأضاف بأن قائد السيارة الرياضية المجهزة كانت لديه اعتراضات شديدة على بث الشريط، ولما كان قائد السيارة وهو مواطن روسي الأصل يدعى مايك كوهين رئيس السيد هلافا في وظيفة التشييد التي يعمل فيها.، فقد كان لرغبته اعتبار خاص عند هلافا، عند الاتصال به هاتفيا، قال السيد كوهين: لقد مات ثلاثة آلاف شخص في ذلك المكان، وأضاف قلت له إنك لن تعمل عندي إذا قمت ببيع ذلك الشريط، قال السيد كارلينغ صباح أمس إن نيويورك تايمز لم تدفع أموالا مقابل الشريط وإنها لم تقم ببيعه لأية محطة تلفزة.
أعلنت محطة تلفزيون ABC أنها ستعرض الشريط للمرة الأولى من خلال برنامج هذا الأسبوع مع جورج ستيفانوبولوس عند التاسعة من صباح اليوم لم تدفع ABC أموالا مقابل الشريط، حسب قول توم بيتاغ، المنتج المنفذ للبرنامج.
وقد أكد المصور الذي احضر الشريط لصحيفة نيويورك تايمز بأنه يقوم بدور وكيل أعمال السيد هلافا، وبأن محطة ABC لم تحصل على الشريط من السيد هلافا وأنها ستكون منتهكة لحقوقه ملكيته إذا قامت ببثه. حذر السيد كارلينغ الشبكة التلفزيونية من أن السيد هلافا مستعد تماما لاتخاذ إجراءات قانونية لحماية حقه في الملكية.
في الأشهر التالية للهجوم لم يكن الشريط في مسكن السيد هلافا في ريدجوود، ذات مرة، وجد الشريط في الخزانة الخاصة بابنته، كما قال السيد هلافا، وفي مرة أخرى، في درج بطاولة الطعام في غرفة معيشته.
في إحدى المرات شاهد ابنه وهو يقوم بتشغيل آلة التصوير بالفيديو لمسح الشريط، قام السيد هلافا بانتزاع آلة التصوير منه قبل أن يمسح ما عليه من تسجيل لأحداث الهجوم.
في صبيحة 11 سبتمبر، كان السيد كوهين يقود السيارة ومعه السيد هلافا، الذي كان في المقعد المجاور، في طريقه لموقع العمل في بنسلفانيا، إنه في العادة يقود السيارة حول مانهاتن، غير أن جوزيف شقيق هلافا كان قد وصل لتوه من جمهورية التشيك وفي طريق رحلته إلى بنسلفانيا،لذا، وكما يتذكرالسيد كوهين، فقد طلب منه السيد هلافا أن يتجه بالسيارة لجوار البرجين إذ ان جوزيف لم يسبق له مشاهدتهما عن قرب، لم يعترض السيد كوهين، واتجه صوب نفق بروكلين، أثناء سيرهما بالسيارة أرخى بسمعه للمذياع الذي كان يذيع باللغة الإنجليزية ثم تحدث باللغة الروسية إلى شقيق هلافا، وكانا يفهمانها بحكم عيشهما في بلد كان جزءا من المعسكر الشرقي، بينما كان الشقيقان يتحدثان إلى بعضهما باللغة التشيكية، كانا يستخدمان بين الحين والآخر مفردة أو مفردتين من الإنجليزية، رأى بافيل هلافا أن يجرب آلة تصوير فيديو جديدة من طراز سوني بتصوير كل ما يمكن أن يقع عليه بصره أثناء الجولة - حركة المرور، اللوحات، منظر المدينة- وإرسال الشريط إلى أسرته في أوروبا.
من ثم، حين انطلقت السيارة الرياضية المجهزة أسفل طريق غاوانس السريع باتجاه مدخل النفق، سدد آلة التصوير نحو البرجين التوأمين، اللذين كانا يرتفعان في الجانب الآخر من نهر الشرق، على الناحية الشمالية الغربية من مكانه، إنهما الآن باديان للعيان بشكل جميل قالها السيد هلافا بطريقة تسجيل الأفلام المنزلية، «هل تراهما الآن؟ أعلى مبنيين في نيويورك: بارتفاع 411 مترا، «قال مسئولون عديدون في المركز التشيكي في مانهاتن، الذين شاهدوا الشريط وترجموا مقتطفات منه، إن لكنة السيد هلافا كانت ثقيلة وشبيهة بتلك التي تستخدم في منطقة تعدين في بلدة اوسترافا في جمهورية التشيك، قال السيد هلافا إنه قضى سنوات عديدة يعمل في المناجم قرب اوسترافا قبل أن يفقد وظيفته ويحضر للولايات المتحدة في عام 1999.
واصلت السيارة الرياضية المجهزة سيرها نحو النفق. منتقلا بآلة التصويرعبر الحافلات وعربات توصيل الطلبات والسيارات في ميدان تول بلازا، ركز السيد هلافا آلة التصوير على لوحة إعلانية لفيلم لآرنولدشوارزينغر، كان هناك تثاؤب كبير، من قبل السيد هلافا على الأرجح، قبل أن تستدير آلة التصوير للجهة الأخرى، اليمنى.
ظهر البرجان التوأمان من جديد، في أشكال هندسية بيضاء اللون وزرقة شاحبة في مقابل الزرقة الأشد للسماء، انتصبت قمتا البرجين أعلى الجدار الأمامي الأبيض اللون، وكان البرج الجنوبي هو الأقرب في الصورة، وقد بدا خلفه البرج الشمالي بهوائياته التلفزيونية.
يتذكر السيد هلافا أنه لما قام بتركيز بؤرة العدسة كان يقوم بالنظر في مفاتيح آلة التصوير دون أن ينظر إلى الهدف الذي كانت الآلة تقوم بتصويره.
إنه لم ير الجسم أبيض اللون الذي كان يقترب بشكل متواز من زاوية المشهد، باتجاه البرجين.
كانت كاميرته تهتز قليلا حين توارى الجسم خلف الركن الشمالي الشرقي من البرج الشمالي.
ما بدا في الصورة مثل كتلة من الغبار المندفع من جانب البرج، ثم سحابة تتمدد، أخذ يتزايد حتى تجاوز طرفه الأعلى قمة البرج.
اصطدمت رحلة الخطوط الجوية الأمريكية رقم 11 بالبرج الشمالي، لكن يبدو أن أحدا في ميدان الرسوم لم ينتبه لذلك.
واصلت حركة المرور زحفها البطيء نحو مدخل النفق أبقى السيد هلافا على آلة تصويره وهي تعمل.
لحظات الاصطدام
داخل النفق، استمع السيد كوهين في المذياع خبرا يقول بأن طائرة خاصة صغيرة اصطدمت بمركز التجارة العالمي حذر كوهين الشقيقين هلافا من أن حركة المرور سوف تصاب بالبطء إذ ان البرجين يقعان أمام مخرج النفق تماما.
لكن عند خروجهما إلى ضوء الشمس، كان البرج الشمالي، الممتد عاليا فوقهما، يشتعل حريقا، كما لو أنه شمعة عملاقة، صاح أحد الشقيقين باللغة الإنجليزية «توقف، توقف يا مايك» قال آخر «يا إلهي» قال الأول من جديد «توقف يا مايك» توقفوا جميعا، وخرجوا من سيارتهم الرياضية المجهزة، لم يستطع السيد هلاف استيعاب ما يحدث، حاول في ثبات أن يواصل تصويره، قال باللغة التشيكية قبل وقت قصير كنا نقوم بتصوير البرجين وهما ساكنان، الآن هما يحترقان، لسبب ما، حرك السيد هلافا آلة تصويره نحو جانبها، من ثم فان البرجين ظهرا في وضع أفقي، قام بإعادة آلة التصوير إلى وضعها الطبيعي، عقب ذلك كان هناك صوت طائرة نفاثة تقترب من الناحية الخلفية.
كان الصوت المنبعث مروعا، كما قال السيد هلافا لاحقا ظهر الشكل المعتم للطائرة في الصورة، وقد مال جانبها الأيمن بشكل حاد حتى بدا رأسيا تقريبا، انقضت الطائرة على بطن البرج الجنوبي، واندفعت كتلة برتقالية اللون من اللهب، وبدا أنها تتناثر في كل اتجاه، وهي ترفرف في الهواء، ما بدا مثل سحابة ذرية تسلل نحو أعلى زاوية من البرج.
كانت تصدر أصوات الناس وهم يصرخون في الشارع صاح هلافا مايك! لقد صورت كل شيء في الشريط صاح شخص آخر ربما كان جوزيف على الأرجح إنه هجوم يا أخي ليس هذا عملا عاديا.
بعد لحظات قليلة، كان الرد دعونا نمضي من هنا، وإلا حدث شيء، للحظات قليلة تلفت الشقيقان حولهما بحثا عن الطائرة، التي يبدو أنها قداختفت ببساطة، في الارتباك الذي ساد اللحظة، قال جوزيف هلافا إنه اعتقد بأن الطائرة ربما جرى إطلاق النار عليها وأنها سقطت على الأرض.
قدم السيد كوهين، والذي كان مشدوها بنفس القدر، نظرية من جانبه باللغة الروسية تقول بأن الطائرة الأولى اصطدمت بعنف بالهوائيات المقامة أعلى البرج الشمالي وأن ذلك ترك بقية الطائرات دون هدى وإرشاد ما أدى لاصطدام طائرة أخرى بالبرج الجنوبي عن طريق الخطأ، على الرغم من كل الارتباك، لم يكن هلافا يدرك بأنه - على مستوى ما- قد قام بتسجيل شريط لا مثيل له، قال في إحدى المرات أتمنى أن لا يقوم أحد بأخذ آلة تصويري مني. مع مرور الوقت قام رجال الشرطة بتوجيه السيارات لمسارات أبعد أولا صوب الطرف الغربي من مانهاتن، ثم صوب الناحية الجنوبية وأخيرا صوب الناحية الشمالية مرة أخرى على شارع إف. دي. آر. بمحازاة نهر الشرق.
واستعاد السيد هلافا بعض اتزانه وواصل عمله الذي ربما كان التسجيل الأكثر غرابة ومأساوية في كل العصور، قال أثناء توجههما شمالا، الآن نحن أسفل جسر بوكلين وكان ما يزال قريبا من موقع البرجين المشتعلين، واصل القول وهو يصوب آلة تصويره نحو الحريق بعد جسر بروكلين، تجيء الكارثة.
بعد ذلك بوقت قصير، كانت كاميرا الفيديو تدور بينما البرج الجنوبي يميل إلى جانبه ثم ينهار تماما وسط دخان أسود كثيف.
صرخ هلافا من جديد مايك توقف، توقف.توقف، توقف «إنه ينهار» قالها باللغة التشيكية، ثم صاح باللغة الإنجليزية، المبنى يهبط، يهبط» ولا بد أنه كان يقصد أنه ينهار، واصل الثلاثة طريقهم نحو بنسلفانيا.
( * ) عن «النيويورك تايمز»
|