* نيويورك - إن آر كلينفيلد(*):
في العام الثاني من ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر مازالت الأحزان تغلي ومازالت ظلال المأساة موجودة، وبعد مرور أكثر من عامين منذ وقعت الهجمات التي هزت الولايات المتحدة والعالم فإن أغلب سكان نيويورك مازالوا يشعرون بعدم الأمان ولم يقتنعوا حتى الآن أنه لن تقع هجمات إرهابية جديدة، فعلى الرغم من مرور الوقت على الهجمات إلا ان الشعور بحضورها أصبح أكثر من ذي قبل ويبدو الأمر وكأن الناس مربوطة بشيء يشدها نحو المأساة مرة ثانية.
وقد كشف استطلاع للرأي أجرته جريدة نيويورك تايمز وشبكة سي بي إس نيوز وشمل 976 من سكان نيويورك البالغين كشف عن أن الجانب الأكبر من الأضرار التي تسببت فيها الهجمات كان في الجانب النفسي لسكان نيويورك.
فقد قال ثلثي الذين جرى استطلاع رأيهم أنهم يخافون جدا من احتمال وقوع هجمات جديدة في نيويورك وهي نسبة تزيد قليلا عن النسبة التي تم تسجيلها في استطلاع رأي مماثل من عام، كما يشير سكان نيويورك أنهم يتحدثون أو يفكرون في الهجمات الإرهابية الآن بصورة أكبر قليلا مما كانوا يفعلون منذ عام.
والحقيقة أن أغلب المؤشرات تؤكد أن سكان نيويورك يعانون حاليا من الحالة النفسية التي كانوا عليها خلال الأيام التي أعقبت المأساة مباشرة، ليس هذا فحسب بل إنه مازال هناك عدد من الناس يتجنبون السير في الشوارع الجانبية أو الإقامة في ناطحات السحاب وينامون بصورة متقطعة وهؤلاء الناس في تزايد مستمر.
وقال ثلث الأشخاص الذين جرى استطلاع رأيهم ان حياتهم لم تعد إلى طبيعتها حتى الآن حيث مازالوا يعانون من ذكريات ذلك اليوم تقول فلورا موكا التي تبلغ من العمر 37 عاما وتدير حسابات شركة الرصاص المملوكة لعائلاتها أن العمل يسير بصورة جيدة ولكنها لم تتخلص بعد من الشعور بالخوف وتضيف أنها بكل أمانة تشعر أن الهجمات الإرهابية سوف تحدث مرة ثانية.
وأن الإرهابيين ينتظرون حتى تهدأ الأمور قليلا في أمريكا حتى يضربوا ضربتهم التالية.
وقالت أن ابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر 14 عاما بدأت مؤخرا السير في طرق جانبية للذهاب إلى المدرسة وهذا أمر يسبب لها قلقا كبيرا ولذلك اشترت لها هاتفا جوالا.
وتواصل السيدة كلامها فتقول أنها تشعر بالرعب كلما عبرت جسرا وقالت أن شقيقتها غادرت نيويورك كلها للحياة في تكساس وأن الأسرة كلها قد تفعل ذلك العام القادم.
وبالنسبة لأي إنسان في نيويورك لم يعد شهر سبتمبر يأتي كغيره من الشهور، فقد أصبح الشهر مناسبة عامة ومع حلول الذكرى الثانية لهجمات سبتمبر فإن أمريكا خاضت حربين ومازالت معدلات البطالة تتصاعد وتعرضت نيويورك لانقطاع شامل للكهرباء لمدة يومين تقريبا والأطفال يتركون المدارس، وهناك شعور بأن ثمة شيء غامض لم يحدث بعد وهو الهجوم الإرهابي الثاني، ولذلك فقد يكون من الصعب فض الاشتباك بين القوى التي تخلق هذا المناخ العام، فالكثيرون من سكان المدينة يشعرون بارتباط قوي بها، تقول ليزا بيتا التي تبلغ من العمر 44 عاما والتي تعيش في مانهاتن أن هناك الكثير مما يربطها بمدنية نيويورك وهذا ما دفعها للعودة إليها، وتضيف أنها تشعر أن الأمور أصبحت جيدة وأنها عادت إلى طبيعتها منذ فترة طويلة مضت، ولكن الشعور بالخوف تجدد بقوة لدى بيتا عندما انقطع التيار الكهربائي عن المدينة بأكملها الشهر الماضي.
ورغم ذلك فإن بيتا التي تعمل في شركة كهرباء تقول أنها استردت انفاسها بسرعة بعد أن تأكدت من أن ما حدث لم يكن عملا إرهابيا حيث مازالت تسير في الطرق الجانبية وتدخل ناطحات السحاب وتقول أنا أحب نيويورك.
في استطلاع للرأي جرى بالهاتف في الفترة من 31 أغسطس حتى 4 سبتمبر الحالي تم توجيه السؤال التالي: كم عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن التغييرات التي أسفرت عنها الهجمات الإرهابية سوف تواصل تأثيرها على نيويورك؟ قال ستون في المائة ممن جرى استطلاع رأيهم ان التغييرات ستستمر، وقال آكثر من ستين في المائة أن هذه التغييرات سلبية وليست إيجابية، ومازالت هناك ثقة بسيطة في قدرة الإجراءات الأمنية على حماية منشئات البنية الأساسية للمدينة.
كما يعتقد أغلب سكان نيويورك أن المدينة غير مستعدة لمواجهة أي هجوم إرهابي باستخدام الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية تستهدف الهواء أو المياه، وبعد عامين من الهجمات يشعر سكان نيويورك أن المدينة مازالت عرضة للتهديدات كما كانت دائما.
وقد تعامل الناس مع تداعيات المأساة بسرعتهم الخاصة ففي الحادي عشر من سبتمبرعام 2001 كان جاي جيمينز الذي يبلغ من العمر 38 عاما يجلس في أحد المطاعم بمركز التجارة العالمي منتظرا فتح البنك الذي يعمل فيه وهنا جاءت الطائرات التي هاجمت مركز التجارة وقد غطى الغبار وجهه واصطدم شيء ما بركبته وعلى الرغم من أن إصابته كانت خفيفة وتم علاجها إلا انه لم يعد كما كان، فهو لم يشف من الكابوس الذي عاشه في ذلك اليوم، فقد كان يتصل بأصدقائه في منتصف الليل، وأصبح يخشى الصعود إلى أعلى من الدور الحادي عشر في أي مبنى، كما بات يخشى الاقتراب من حي مانهاتن، وفي شقته في حي ستاتن إيلادن قام بطلاء زجاج النوافذ المطلة على حي مانهاتن بلون غامق حتى لا يرى هذا الحي بأكمله، فهو لا يستطيع حتى أن ينظر إليه، ورغم مرور عامين مازال الرجل يتحدث عن الهجمات كل يوم ولم يعد يعمل في مانهاتن ولكنه نقل عمله إلى حي ستاتن كسكرتير صحفي لعضو مجلس الشيوخ عن الولاية سايمور لاشمان، ومازال الرجل يحتفظ بعلم أمريكا يرفرف على نوافذ وباب شقته لدرجة أن أحد جيرانه شكا من أن الرجل اصبح متطرفا في الوطنية، ولكن هناك استطلاع للرأي أشار إلى أن نصف سكان المدينة على الاقل مازالوا يرفعون أعلام امريكا على نوافذ منازلهم او يرتدونها على ملابسهم، يقول جاي أنه يعتقد انه سيظل يتحدث عن الكارثة كل يوم بقية حياته ولكن الرجل رصد بعض مؤشرات التحسن في حالته النفسية حيث أصبح يفتح النوافذ التي تطل على حي مانهاتن، وعلى الرغم من أنه لا يستطيع الذهاب إلى الحي المنكوب إلا أنه اصبح قادرا على النظر إليه، ولم يصاب الرجل بأي توتر عندما انقطع التيارالكهربائي عن المدينة ولكنه ظل حتى الواحدة صباحا يساعد في تسيير حركة المرور في الشوارع، ولكن مازال كابوس الحادي عشر من سبتمبر يقض مضجعه، ويقول الرجل أنه يحلم دائما بأنه موجود في منزل والديه ويشاهد التلفزيون حيث يظهر المذيع ليعلن عن وقوع هجوم إرهابي جديد على حي مانهاتن ثم يقتحم شخص ما المنزل ويقتلني، ويضيف الرجل أنه لم يعد يستيقظ من النوم صارخا كما كان يحدث من قبل كما لم اعد اتصل بأصدقائي تليفونيا بعد منتصف الليل.
(*) عن «النيويورك تايمز» الأمريكية
|