* القاهرة مكتب الجزيرة د. أماني الطويل:
على الرغم من لقاء نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وجون جارانج في كينيا قد انعش الآمال في قرب تحقيق السلام في السودان الا ان اليقين في الشأن السوداني يبدو مستحيلا فهناك من يقول ان السودان قد يكون مقتلا للدبلوماسيين والصحفيين ايضا حيث يحاولون قراءة المستقبل قياسا على المعطيات المطروحة.
على اية حال يعد لقاء طه جارانج اختراقا مهما للمأزق الحالي في المفاوضات السودانية قد يسفر عن نقلة نوعية في الجولة الثامنة للمفاوضات خصوصا في ضوء شعبي شمالي وجنوبي للوصول إلى محطة السلام بعد ان اكلت الحرب الاهلية السودانية الممتدة الاخضر واليابس كما انها اغتالت احلام الناس في التنمية الاقتصادية والتقدم ففي الخرطوم تستطيع ان تلمح دون نظره ثاقبة مدى القلق الذي يطل من العيون حول صورة المستقبل والذي ترسم خطوطه العريضة الجولة السابعة من المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبيه المنعقدة هذا الاسبوع بكينيا وذلك بعد أن انتجت بلدة ناكورو وثيقة وجدت فيها الحكومة ومعها مصر انها غير متوازنة وتصب في خانة فصل شمال السودان عن جنوبه دون اعطاء الشعب الجنوبي الفرصة الكافية لتقرير مصيره في ظل معطيات وحدة جاذبة كما ترى الخرطوم والقاهرة.
ولعل محنة ناكورو والدعم المصري للسودان ضدها هي ما جعلت علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية يقول ان العلاقات المصرية السودانية هي في اوج قوتها منذ ثلاثين عاما مشيرا إلى ان المبعوث الأمريكي للسلام اعرب عن دهشته من الدعم المصري للسودان في رفض وثيقة ناكورو وقال طه ان الموقف الاقليمي المتماسك ضد ناكورو قد يجعلها من التاريخ وذلك على الرغم من قيام سازار سمبويا بجولة افريقية لترويج الوثيقة المرفوضة قبيل الجولة السابعة من المفاوضات التي تحطمت على صخرة ناكورو أيضا.
وبطبيعة الحال رفض طه ما يشير إلى مسئولية حكومته إلى وصول مفاوضات مشاكوس إلى مأزق ناكورو وذلك باقدام حكومته من الانفراد بقرار الذهاب إلى مشاكوس بمظلة أمريكية افريقية فقط ويبدو موقف الإنقاذ حرجا في هذه المفاوضات لأسباب تتعلق بالمسئولية التاريخية لفريق الانقاذ الحاكم امام جماهير الحركة الإسلامية التي قد تحمله مسئولية شق الوطن اضافة إلى مسئولية شق الحركة الإسلامية في حركة 4 رمضان كما انه قد لا تعفيه من مسئولية فشل تجربة حكم إسلامي في السودان. وتقول بعض رموز الحركة الإسلامية في هذا السياق ان الدكتور حسن الترابي على الرغم من كونه الضحية الأولى لفريق الإنقاذ الحاكم حاليا إلا انها لا تعفيه من المسئولية في الدفع نحو تعميق الخلافات داخل الحركة الإسلامية للوصول إلى هدف مضمر وهو القفز من سفينه الانقاذ الغارقة واعادة تقديم نفسه كمفكر مجدد للحركة الإسلامية حتى من داخل سجنه؟ فقد انتج د. حسن الترابي كتابين لتقويم تجربة الحكم وما زال الرجل الملهم لشباب الحركة الإسلامية السودانية سواء في معسكر الحكم او في معسكر حزب المؤتمر الشعبي المعارض بالانفصال.
مخاوف الانفصال في السودان لا تقتصر فقط على بعض اجنحه الانقاذ ولكنها حديث المجالس الجنوبية في الخرطوم والتي حاولت الحكومة ان تستقطب قيادات فيها في اطار مشروعها لتأكيد امكانية التعايش والسلام بين الشمال والجنوب بالتسكين في مواقع حكومية بالخرطوم فهذه القيادات في المواقع المختلفه لا تراهن كثيرا على وحدة السودان بعد مسيرة ادركها الارهاق والتعب للشماليين والحنوبيين على السواء وفي سياق تاريخي ظله نقض المواثيق والعهود الوطنية الشمالية.
إغراء الانفصال للمتعبين يبدو محفوفا بالمخاطر فكما عبر لنا احد القيادات الإعلامية الشمالية ننظر إلى الغد ونتساءل هل يكون فيه السودان على الخريطة؟ هذا السؤال لا يتضمن فقط مسألة مصير الشمال والجنوب ولكنه ينسحب على كل جزء في السودان فتمرد دارفور ماثل في الذهنية السودانية كمقدمة للمطالبة بانفصال الغرب ايضا فالناس بعد مسيرة نصف قرن من الاستقلال فما بالنا بالأطراف أو الهوامش التي تنعدم فيها الخدمات تماما وتصبح المطالبات المسلحة بالحياة الآدمية مسألة عادلة ومبررة أيضا .
ولعل هذه المخاطر المحيطة بالمصير السوداني هي ما دفعت الحزب الوطني الحاكم في السودان إلى طرح وثيقه للإجماع الوطني تحاول فيها الحكومة ادراك ان منهجها في استيعاب المعارضين لم ينجح تماما وانه لا بديل عن شراكة سياسية حقيقية بين جميع الوان الطيف السياسي السوداني في محاولة لإنقاذ السودان من المأزق الراهن حيث استجاب الرئيس البشير للتعديلات التي طلبها الحزب الاتحادي السوداني ان يكون الحوار الوطني السوادني تحت مظلة الرئاسة وقال علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية ان استجابة الرئيس البشير لهذه المساعي تعكس حرص الحكومة على انجاح الحوار الوطني ولاحظ النائب الاول وجود روح ومزاج قومي تتفاعل على الساحة السياسية السودانية مشيرا إلى ان الانقاذ تؤمن ان قضايا الوطن لابد ان يتصدى لها أبناء الوطن جميعا وعلى قدم المساواة.
الحوار الوطني ليس جسر الانقاذ الوحيد للقفز على الآثار السلبية لوثيقة ناكورو بل ان التحرك الحكومي لتقديم اصوات جنوبية موازية لجون جارانج يبدو وسيلة اضافية حيث يحاول رئيس المجالس الجنوبية حاليا رياك قاي كوك القيام حاليا بجهود لدى وسطاء الايجاد للتأكيد على ان هناك فصيلاً من الجنوبيين لهم مطالب في التمثيل السياسي وكعكة السلطة ولا يعتبرون ان وجود جارانج زعيم الحركة الشعبية لجنوب السودان ممثلاً وحيداً للجنوب كما انهم يشككون في وحدويته حيث لعب قاي ادوارا مهمة في محاولة شق صف الحركة الشعبية واستعادة رياك مشار من معكسر جارانج وكما يقول قاي فانه قد نجح في استقطاب عناصر قيادته من معكسر مشار لمعسكره في المجالس الجنوبية وفي المقابل فان هناك انباء عن محاولة الحركة الشعبية لاستقطاب قيادات من الفصيل المتحد في قبيلة الشلك إلى الحركة الشعبية وهي المحاولة التي لم تعرف نتائجها بعد. على أية حال الآمال المعقودة على انجاح الحوار الوطني من ناحية واقرار وثيقة للتفاوض مع الحركة الشعبية تتسم بالتوازن من ناحية أخرى لن تستطيع إحراز النجاح الحقيقي إلا بإخلاص نية المفاوضين الذين تلقوا اشارات مهمة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والامم المتحدة انه لا بديل عن خيار السلام بعد ان اصبحت الحرب غير ملائمة في الظروف السياسية الاقليمية الراهنة اضافة لضغوط الشركات الأمريكية بسرعة الحصول على البترول السوداني.
|