أهمية توطين الوظائف تنبع من كونها أحد أركان الاستقرار السياسي والاجتماعي.. كما انها أحد مبررات ودوافع الاجرام والفساد والانحراف والارهاب.. لذا اسندت مهمة رعايتها إلى وزير الامن في هذه البلاد.. فتوطين الوظائف في تعريف الواقع الحاضر الذي نعيشه يعني في بعض معانيه الأمن والاستقرار والنمو والازدهار.
هذه القضية المهمة التي عرفت الدولة أهميتها منذ أكثر من عشرة أعوام وانشأت للاهتمام بها هيئة مستقلة.. لكنها لم تنجح وهذا ظاهر من نتائجها.
توطين الوظائف غاية وطنية افرازاتها للأسف كانت مسيئة للمجتمع وللفرد السعودي.. فهي برسائلها الإعلامية غير المدروسة زرعت مشاعر سلبية ضد الوافد بكل ما تعنيه من تحريض على بعث العنصرية.. كما زرعت انطباعاً سلبياً عن الشاب السعودي.. أصّلت في نفسه الاتكالية والتراخي.. فحينما تكون الرسالة الموجهة من الحكومة للقطاع الخاص.. قائمة على التحفيز والحث بأسلوب النخوة والفزعة والمواطنة وانتماءاتها.. وليست قائمة على المصلحة التي سيجنيها القطاع الخاص.. أو حينما تكون الرسالة محمّلة بالتهديد بقوة النظام.. وليس تحقيقاً لرغبة أو حاجة القطاع الخاص.. فإن الرسالة تكون قد فقدت جزءاً مهماً من مفعولها.. بل فقدت مفعولها كله.
ولأن الرسائل كلها موجهة للقطاع الخاص فقط.. فقد رسّخت في ذهن الشاب طالب الوظيفة مفاهيم خاطئة.. أحدها انه غير مطالب بتنمية نفسه وتطوير قدراته.. وأسوأها غرس مفهوم: ان أمنه الوظيفي هو العمل في الحكومة.. وفاته أن الأمن الوظيفي الحقيقي هو فيه.. وفي ما يكتنزه في ذاته من علم ومعارف ومعلومات ومهارات وقدرات وسلوكيات مهنية وخبرات متراكمة.
وأخيراً «دون قصد» أوحت تلك الرسائل للناس اجمعين أن السعودي عالة، وان تشغيله خسارة، وان رجل الأعمال السعودي أناني فاقد للوطنية، حريص على مصالحه فقط.. وهذا انطباع ظالم.
أعلنت مؤخراً المؤسسة العامة للتعليم الفني.. عزمها على تنفيذ حملة إعلامية لتحفيز توطين الوظائف.. والسبب بروز مشكلة ضعف انخراط خريجي المؤسسة في سوق العمل..
والسؤال هو: ما دخل مؤسسة التعليم الفني بالتوعية الإعلامية لتوطين الوظائف؟..
هل هو ليأسهم من نجاح القائمين على التوعية الإعلامية في الهيئة المتخصصة.. أم اختلاط الرؤية لديهم كدخولهم كمنافس لشركات التدريب في سوق القطاع الخاص!؟.. الواقع يقول ان برامج المؤسسة التعليمية تعاني من نسبة تسرب عالية.. وان مخرجات التعليم لديهم غير مناسبة لمتطلبات السوق.. وتصحيح هذا لا يتم بحملة إعلانية موجهة لرجال الأعمال بل بمعالجة الأسباب.. وهذه مشكلة داخلية وليست إعلامية.
وهذا لا ينفي أن في المؤسسة كوادر عالية التأهيل.. وهي حالياً تؤدي دوراً مهماً جداً في التنمية السعودية.. كما تصدر المجلة الإدارية الأولى «في رأيي» باللغة العربية.. إلا أن هذا لا يعني جواز اختلاط الرؤية كما حصل في موضوعيْ التدريب والتوعية الإعلامية.. اللذين آمل أن يعيدوا النظر فيهما.
ومن الواضح أن موضوع التوعية الإعلامية صار قضية تكاد تتحول إلى مشكلة بحد ذاتها.. رغم سعي الدولة سعياً جاداً دافعاً نحو تحقيق ونجاح استراتيجية توطين الوظائف.. إلا أن الرسالة لم تصل بالشكل المطلوب.. فنبل المقصد لا يعني سلامة المنهج.
وحيث إن أساس العملية الإنتاجية والعنصر الأهم هو الإنسان الذي يصنع القطاع الخاص كما يصنع القوة الاقتصادية.. ففي نظري أن المواطنين الشباب هم الشريحة المستهدفة لا رجال الأعمال.. فالقطاع الخاص يمكن أن يتم التعامل معه بالقوانين والنظام.. أما التوعية فهي للمجتمع الذي يشكّل منه الشباب «60%».
الأمير نايف بن عبدالعزيز هو المسؤول الأول عن أهم قضيتين مصيريتين يواجههما الوطن.. وهما: قضية توطين الوظائف وقضية مكافحة الإرهاب.. والإرهاب بلاشك له الأولوية القصوى للحل.. وكل الذي آمله ويأمله كل مواطن محب لوطنه ألا تتراجع قضية توطين الوظائف إلى المقاعد الخلفية.. وألا تكون الحلول قطعية مؤذية.. فنزع روح الوطنية من رجال الأعمال.. ولصق صفة العالة والخسارة على الشباب السعودي.. هي مخارج سريعة سوف تساهم في تفاقم المشكلة.. والمملكة وهي في قلب المنطقة الملتهبة المستهدفة في هذا العالم تواجه تهديداً خارجياً.. فليس من المقبول إيجاد تهديد داخلي يضاف إلى تهديد الإرهاب القائم.
قضية توطين الوظائف قضية وطنية.. والتوعية الإعلامية بها يجب أن تكون على مستوى القضية وتشمل كافة أجزاء الوطن وأطيافه.. تحتاج إلى خطاب إعلامي يساهم في توجيه الرأي العام.. والرأي العام ليس رجال الأعمال فقط.. بل كافة أفراد المجتمع.. الطالب في مدرسته والشاب طالب العمل والعائلة.. وأخيراً رجل الأعمال.
مطلوب من الخطاب الإعلامي أن يغرس مفهوم الطموح ويحفز الطالب على البدء في تحضير نفسه لسوق العمل.. والسؤال والبحث والممارسة لكل ما يفيد مهاراته وينمي سلوكياته.. وكذلك يفعل الشاب طالب العمل حتى يتمكن من العمل ومن الاستمرار والنمو والرقي في عمله.. أما المجتمع ككل فمطلوب منه ألا يبحث للعاطل عن عذر وان ينظر إليه نظرة المستنكر.
التوعية الإعلامية لتوطين الوظائف هي مهمة متعددة الجوانب.. فليست الغاية تعريف الناس بوجود المشكلة.. بل تغيير الاتجاهات الثقافية والفكرية القائمة.. وذلك بتأصيل المفاهيم والقيم السليمة والمحفزة لاستنهاض الهمم لتنمية المهارات والقدرات.. وغرس ان سلوكيات العمل والالتزام والانضباط هي المسار الوحيد للاستمرار في العمل والنمو فيه.
|