* غزة - بلال محمد أبودقة:
واصلت الحكومة الإسرائيلية تصعيد اعتداءاتها على المدن الفلسطينية والناشطين من فصائل المعارضة الفلسطينية سواء منهم المنتمين إلى الأجنحة العسكرية أم الذين ركزوا جهودهم على النشاطات السياسية.
وباستهداف الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس وزعيمها الروحي تكون إسرائيل ألغت كل القيود، وتخطت كل الخطوط الحمراء، التي كانت تحدد أسس التعامل بينها وبين فصائل المعارضة الفلسطينية.
ويجيء هذا التصعيد القياسي في وقت اشتدت فيه أزمة الصراع داخل القيادة الفلسطينية بين الرئيس عرفات ورئيس الوزراء محمود عباس إلى حد أن قدم عباس استقالته، وبذلك فان الحكومة الإسرائيلية واصلت النفخ على نار الخلاف الفلسطيني فزادتها اشتعالاً ولهيبا.
ويدرك الفلسطينيون، والعالم أجمع أن إصرار إسرائيل على رفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وتشبثها بالاحتلال والاستيطان واستهانتها الكاملة بالسلام العادل، وحرمانها له من حقوقه السيادية والإنسانية.. هذه الممارسات هي السبب المباشر للأزمة الداخلية الفلسطينية، وما سيعقبها من انعكاسات خطيرة، قد تهدد عملية السلام من أساسها.
لم يكن أبومازن مستعداً للذهاب إلى آخر الشوط
ويقول محللون سياسيون فلسطينيون ل«الجزيرة»: تتحمل الولايات المتحدة التي تبنت خريطة الطريق وادعت أنها مهتمة بتنفيذها مسؤولية استقالة أبومازن من خلال محاولة تهميش دور الرئيس عرفات وتنصيب زعيم آخر ينتزع صلاحياته، ويتولى مهامه التفاوضية والأمنية، ولم يكن أبومازن مستعداً للذهاب إلى آخر الشوط الذي رسمته واشنطن وإسرائيل، ولهذا فضل الاستقالة على القيام بمهمة مستحيلة، في الوقت الذي تواصل إسرائيل هجماتها على الفلسطينيين، اغتيالاً واعتقالاً وتدميراً، وسط صمت أمريكي مريب واستحسان للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
وتذهب قيادات فلسطينية بالقول: إن الإدارة الأمريكية وحكومة شارون صبتاً زيتا حارقا على النار المستعرة من خلال دعمها المعلن لنفوذ عباس وإغفالها لدور الرئيس عرفات.
كانت خطوة استباقية
وفي الوقت الذي أثارت فيه استقالة أبومازن ردود أفعال سلبية على المستوى الدولي لتأثيرها السلبي على العملية السياسية، تباينت ردود الفعل الفلسطينية تجاهها.
يقول محللون سياسيون ل«الجزيرة»: جاءت استقالة أبومازن في الأصل خطوة استباقية منه في مواجهة قيام «18» من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بالاستعداد لطرح حجب الثقة عن الحكومة بعد عرضها تقريرا بمنجزاتها؛ ونتيجة للاختلاف الحاصل بين عرفات وعباس.. خاصة وان الأخير يواجه معارضة شديدة من داخل حركة فتح التي ينتمي إليها بسبب سياساته التي وصفت بأنها مهادنة للإسرائيليين والأمريكان.
ويقول اعضاء المجلس التشريعي: أن أبومازن الذي رحب به العالم لم ينجز أي شيء على الأرض وخرج يائسا من عملية السلام بسبب تواصل الجرائم الإسرائيلية، والمشكلة تكمن في الموقف الأمريكي والإسرائيلي، ووصف الأعضاء الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد استقالة عباس بالحساس والخطير مطالبين بتدخل سريع، ورجح د.صائب عريقات العضو في المجلس التشريعي حدوث تصعيد عسكري إسرائيلي خطير بعد استقالة أبومازن.
الاستقالة حقيقية وليست تكتيكية
وتقول مصادر صحفية ل«الجزيرة»: إن عباس ينوي من خلال هذه الخطوة التوصل إلى نتيجتين؛ النتيجة الأولى هي ممارسة ضغوط دولية على عرفات لنقل الصلاحيات له أولرئيس حكومة آخر يتم تعيينه مكانه، والنتيجة الثانية هي ممارسة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لاتخاذ خطوات صارمة بغية إنقاذ العملية السلمية.
واعتبرت حركة حماس استقالة أبومازن بأنها أحد استحقاقات ونتائج التدخل الخارجي في الشأن الفلسطيني الداخلي، وأكدت على أن الشعب الفلسطيني قادر على حسم خلافاته انطلاقاً من وعيه وإدراكه للمصلحة الوطنية العليا.
وقال د. عبدالعزيز الرنتيسي الناطق باسم حركة حماس للجزيرة: إنها نهاية طبيعية لبداية خاطئة.. فالبداية كانت ثمرة ضغوط أمريكية أدت إلى إيجاد حكومة على غير إرادة فلسطينية، والنتيجة كانت فشل هذه الحكومة واكتشاف نفسها وهي في مأزق حقيقي مما أدى إلى هذه الاستقالة.. ويعتقد الرنتيسي ان الاستقالة حقيقية وليست تكتيكية من أجل انتزاع المزيد من الصلاحيات من يد عرفات.
فيما قالت حركة الجهاد الإسلامي: إن تقديم محمود عباس استقالته يمنح إسرائيل غطاء إعلامياً على إجراءاتها التي تنفذها بحق الشعب الفلسطيني، وأن سقوط الحكومة أمر طبيعي نظراً لأنها تشكلت بسبب الضغوط الخارجية.
وقال نافذ عزام القيادي بحركة الجهاد الإسلامي: إن استقالة أبومازن تزيد من صعوبة الأوضاع التي يواجهها الفلسطينيون، بالذات في هذه المرحلة الحساسة التي يتصاعد فيها العدوان الإسرائيلي.. ولاشك أن هذا يلقي اعباء إضافية على حياة الشعب الفلسطيني بشكل عام ويعطي الفرصة لإسرائيل لتوسيع وتيرة عدوانها.
السبب: عجز أبومازن عن مواجهة متطلبات العملية السياسية
هذا وأكد وزير الاتصالات الفلسطيني عزام الاحمد على ان السبب الحقيقي وراء استقالة أبومازن هو عجز الحكومة الفلسطينية عن مواجهة متطلبات العملية السياسية نتيحة لتعنت وعدم التزام اسرائيل بتنفيذ خريطة الطريق واستمرارها في سياسة الحصار والعدوان والاغتيالات، فبالرغم من ادعاءات إسرائيل والولايات المتحدة بأنهما تدعمان حكومة أبومازن، إلا ان هذا الدعم الذي يدعونه لم يلمسه المواطن الفلسطيني على الأرض، ولم تلمسه الحكومة الفلسطينية.. هذا هو الذي شكل المشكلة الحقيقية.. صحيح ان هناك تبايناً في وجهات النظر بين عرفات وأبومازن وان كان هذا ظاهرة صحية وديمقراطية، إلا انه لم يكن السبب الجوهري في تقديم الاستقالة.
وتقول مصادر فلسطينية للجزيرة: ان رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني احمد قريع «أبوعلاء» هو المرشح الأوفر حظا عند عرفات لمنصب رئيس الوزراء الجديد، ومن بين الاسماء التي طرحت لتولي منصب رئيس الوزراء، وزير الداخلية السابق هاني الحسن وهو احد المقربين من عرفات، ووزير الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية نبيل شعث، وأعيد طرح اسم المليونير الفلسطيني منيب المصري من مدينة نابلس، ويقول محللون سياسيون ان احتمالات تولي المصري هذا المنصب ضئيلة.
وترجح تقديرات فلسطينية ان الفترة القريبة ستشهد محاولات للتقريب ثانية بين عرفات ومحمود عباس لا سيما في ظل الضغوط الدولية الكبيرة التي ستمارس على الرئيس المحاصر في المقاطعة منذ أكثر من عام ونصف.
غريزة الانتحار تتجلى خلال تصرفات سياسيين مثل عرفات وعباس
هذا وقالت مصادر أمنية إسرائيلية في أعقاب استقالة محمود عباس: إن طرد عرفات بات وشيكاً.. وأظهر استطلاع أجرته صحيفة عبرية للتعرف على مواقف وزراء الحكومة الإسرائيلية أن غالبية وزراء الحكومة يؤيدون خطوة من هذا القبيل، إذا أوصت أجهزة الأمن باتخاذها.. لكن مصادر مقربة من شارون قالت إن قرار طرد عرفات يخضع للتقييم بشكل مستمر، وافادت هذه المصادر أن قرار الطرد لن ينفذ في الوقت الحالي، فضلاً عن ان اتخاذه في أي وقت سيستدعي التنسيق مع الأمريكيين بناء على تفاهمات مسبقة في هذا الشأن.. وأكد ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلي بعد توارد نبأ الاستقالة على أن إسرائيل لن تقبل بعودة زمام السيطرة إلى عرفات أو أحد مقربيه.وقالت إسرائيل إنها لن تقبل بعودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لتسيير الأمور اليومية للسلطة أو أي شخص يسير على نهجه، وقال بيان للخارجية الإسرائيلية: إن عرفات جزء من المشكلة وليس الحل إنه سبب مباشر يهدد الاستقرار في المنطقة.
وتقول مصادر سياسية إسرائيلية: إنه يجب الانتظار وفحص انعكاسات وتداعيات استقالة محمود عباس، وبموجب أقوال المصادر نفسها ربما كانت تلك خطوة تكتيكية، وأضافت المصادر: إن إسرائيل لن تجري أي اتصالات بعرفات وستستمر في سياسة محارب الإرهاب.
من جانبه قال وزير العدل الإسرائيلي العلماني تومي لبيد: إن غريزة الانتحار لا تتجلى فقط من خلال «الانتحاريين»، إنما من خلال تصرفات سياسيين مثل عرفات وعباس، وأضاف: إذا لم يعدل عباس عن رأيه ويعد إلى منصبه، فاستقالته ستجلب على الفلسطينيين كوارث إضافية،والمجرم هو مرة أخرى عرفات ويجب علينا بحث مصيره مرة أخرى.
|