عملية صياغة القرارات في مجلس الأمن عملية معقدة، تعد وتصاغ بعناية فائقة في الغرف الخلفية بالمبنى العملاق للأمم المتحدة، وينهمك دبلوماسيو الدول الأعضاء وخصوصاً ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية، ينهمكون ساعات طويلة ويستهلكون جلسات مطولة فيما يسمى المشاورات للاتفاق على نص تنتقى عباراته بدقة متناهية من أجل الوصول إلى صيغة توافقية تضمن مرور القرار والحصول على الأغلبية المطلوبة، والقرار الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استصداره من مجلس الأمن الدولي لارسال قوات دولية إلى العراق، واحد من هذه القرارات التي تتطلب جهداً تفاوضياً وتشاوراً مطولاً لا يقتصران على قاعات وغرف مبنى الأمم المتحدة، بل يتعديانه إلى عواصم القرار الدولي للوصول إلى الصيغة المطلوبة التي تُرضي واشنطن ويقبل بها شركاؤها في مجلس الأمن الدولي الذين لا يمكن ان يقبلوا بالتفرد الأمريكي والهيمنة المطلقة لها في العراق.
والولايات المتحدة الأمريكية التي أخذت تستشعر فداحة الإصرار على معالجة الملف العراقي بمفردها أو حتى مع حلفائها القليلين الذين ساندوها في احتلالها للعراق، وجدت في إشراك الأمم المتحدة المنفذ لإيجاد حلٍ للمأزق الذي يكبر يوماً بعد يوم في العراق، بعد أن تأكد لأغلبية أعضاء الإدارة الأمريكية أن التحدي في العراق أكبر مما كان متوقعاً، وأعظم من أن تستطيع دولة واحدة مواجهته حتى وإن حظيت بمساعدة ومساندة بريطانيا العظمى ودولة أو دولتين كبولندا والنرويج، حيث لم تفلح قوات هذه الدول إلى جانب القوات الأمريكية في الحد من الخسائر اليومية في الأرواح والنزف المادي نتيجة ما يُصرف من أموال على هذه القوات من الخزينة الأمريكية ليؤدي ذلك إلى تولد قناعة بأنه كلما كانت هناك مشاركة لقوات متعددة ولأكثر من دولة كلما أمكن إدارة الوضع لتحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة على العراق، وهي إنهاء الاحتلال وتسليم العراق للعراقيين بعد القضاء على مخاطر تهديد الإرهاب والأسلحة المحظورة.
ولكن هل يمكن ان تستجيب الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لرغبة أمريكا إيجاد مخرج لورطتها في العراق والأمريكيون يريدون من الآخرين أن يرسلوا قواتهم لتعمل بإمرة الأمريكيين وان يدار العراق بإدارة أمريكية..!!
بالطبع لا يمكن أن تقبل روسيا ولا فرنسا ولا ألمانيا ولا حتى الدول الأخرى التي صمتت إبان الهجوم على العراق.
وإذ كانت بعض مناطق الصراع والحروب الإقليمية قد شهدت مشاركة قوات دولية في تلك الحروب أو في حفظ الأمن تحت قيادة أمريكية، فإن ما تمَّ كان تحت راية واسم الأمم المتحدة.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد وافقت في تلك المناطق على نقل الإدارة المدنية للأمم المتحدة، وهذا ما حصل في كوسوفو وتيمور الشرقية وما يطبق الآن في أفغانستان، ولهذا فإذا أرادت واشنطن أن يساعدها الآخرون في الخروج من المأزق الحالي فينبغي عليها أن توافق على أن يكون هناك جهد دولي حقيقي في الجانب المدني، كما في الجانب العسكري، لأن الدول لا تقبل أن تتقاسم الأعباء فقط، بل تلحُّ على تقاسم المسؤوليات والسلطة وأيضاً الغنائم.
|