Tuesday 9th september,2003 11303العدد الثلاثاء 12 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
عقلية «نحن الأفضل» (2)
د. فارس محمد الغزي

ناقشت في المقالة السابقة بعضاً من حيثيات عقلية (نحن الأفضل)، وذكرت بأنها سمة عمومية وإنسانية بطبيعتها، علاوة على أنها توجد في الشرق والغرب على حد سواء، فهي ليست حكراً لبشر عن بشر، وقد شاعت في الماضي ـ كما في الحاضر ـ في كافة المجتمعات الإنسانية على مختلف ثقافاتها وعقائدها ومواقعها الزمانية والمكانية في سجلات التاريخ وخرائط الجغرافيا. هذا وفي ختام المقالة المعنية طرحت شدو السؤال التالي: ما هو موقع عقلية «نحن الأفضل» من خارطة المفهوم المعروف علمياً بـ«التعصب السلالي: Ethnocentrism» والذي يعرف كذلك باسم «التمركز حول السلالة»..؟
أما الإجابة فلا شك في حقيقة أن لعقلية (نحن الأفضل) موقعاً راسخاً في جسد ما أشير إليه بمفهوم التعصب السلالي أو التمركز حول السلالة، وهذا المفهوم يعني ـ باختصار شديد ـ اعتقاد أفراد ثقافة ما بتفوقهم الفطري على غيرهم، هذا جانب أما الجانب الآخر من هذا المفهوم فيتمثل في نظرة هؤلاء الأفراد الدونية إلى ثقافات الغير وذلك نتيجة «لتمركزهم» الذهني حول (النحن: we-ness) إلى درجة من الانصهار المكون في نهاية الأمر لمفهوم الـ(نحن)، الأمر الذي يترتب عليه تهميش غيرهم من الشعوب ورميهم ـ جهلا بهم ـ في المواقع الخلفية والثانوية من الاستحقاق إلى حد يجعل منهم (الآخر) بكل سلبيات ومضامين هذا المفهوم، ومن لدن هذه العملية نرى كيف تتكون آليات الثنائية المعروفة بـ(نحن والآخر) في الحياة الإنسانية، وغني عن القول إن تطبيقات مفهوم التعصب السلالي استخدمت ولا تزال في (الخدمة!) في العديد من المجتمعات الغربية، وما ذكرى النازية عن الذاكرة ببعيد حين استخدم هتلر ترهات تفوق العرق الآري على بقية الأعراق وأدى هذا الأمر إلى ما أدى إليه من حرب كونية مدمرة، كذلك استخدمت تطبيقات هذا المفهوم في أمريكا لاسيما في المراحل الأولى من نشأتها وبشكل فاضح وما تزال تمارس الآن وإن كان ذلك على استحياء وبذكاء خارق حينا وأخرق أحياناً، وهذا هو بالمناسبة ما يفسر المواقف السلبية لعقلية «نحن الأفضل» الأمريكية تجاه الآخر: الثقافة العربية أفرادا وعقيدة ووجودا.
في الختام يتوجب التذكير، في ضوء ما سبق استعراضه، ان المسلمين أمة ذات رسالة ربانية، ولا شك في أن تبليغ مثل هذه الرسالة يتطلب ازالة ما يعترض سبيل التواصل مع الآخر مع الآخر من حواجـز ومعوقـات، وفي هذا المنحى فتبنِّي عقلية «نحن الأفضل» من شأنها أن تعزلنا عن الآخر إلى الدرجة التي قد يزداد معها جهْله بنا فلا نقدر حينها على ابلاغه بما يجب علينا ابلاغه، كذلك فهذه العقلية قد تقود إلى تصديق الذات الثقافية، فالاغترار بقدرة هذه الذات على الحياة بمعـزل عن النقد الذاتي وعن التفاعل الانساني وما يدخل ضمن ذلك من نواميس الدفع الانساني الضرورية لديمومة الحياة، فليتنا إذن نعيد صياغة مفهومنا لهذه العقلية.. بحيث نصبح الأفضل فقط في حال قمنا ـ بالفعل ـ بما يجب علينا القيام به وبطريقة وسطية تتحقق من خلالها ضرورات الدنيا وواجبات الآخرة..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved