* عليّان: يحيا في الواقع اليومي وما هو من بنات الخيال ولا أولاده.
* عليّان: لم يتعلم التأقلم بنجاح مع واقع العصر، وليس من السهل عليه - ولا على من يمتلكون قدراً من عليانيته - أن يتقبل بتسامح المستجدات اليومية المتسارعة!!
* عليّان: ليس المتفرد بكل ذاتيته وهنالك من يشاركون عليّان شيئا من أحاسيسه وهمومه وأحكامه (الغليظة علي الواقع أي أنهم «عليانيون» بقدر ما.
* عليّان يدل عليه تصغير اسمه، هو من سواد الناس بسيط في مظهره الخارجي متشابك في تداخلاته العاطفية الكامنة فيه ككل الذوات الإنسانية المفتوحة. تجده حيثما سرت هو في الشارع وفي (المشراق) والبقالة وسوق الغنم وفي الحراج في كل بلد ومن كل قوم.
* عليّان: أهملته سجلات التاريخ وصفحاته، فهي للنابغين والنابهين ولأهل التضحيات وذوي الحظوظ..!وربما تسلل إليها نفر من المجرمين والخاطئين والشواذ..أما عليّان فلا تحتضنه صفحات التاريخ ولا تتجه إليه سبابته وأي شيء فيه يجتذب الاهتمام.؟!!
* عليّان مغلف في نواة المجتمع الضخمة، مندس بين ثنايا الناس فوقه الأغنياء والأذكياء والمتذاكون وذوو الخطوات والصاعدون على اكتاف غيرهم. وتحته الأغبياء والمتخلفون والمنحدرون، راض عن مكانته ومقامه من توليفة سلم المجتمع المتدرجة المتعرجة والتي تماثل سلم الوراثة.
هذا هو تصورنا عن عليّان حين نلقاه أما هو فقد لا توقظ في ذهنه كلمة التاريخ إلا ما يوضع على المكاتيب التي ترسل للأهل والأصدقاء!! وليس لديه وعي تام بتركيبة مجتمعه المزجية ولكنه يمجد (الأولين) يقصد بهم الأجيال السابقة ويترحم عليهم. ويؤكد بأنهم هم الذين (يستأهلون) الحياة!! ويردد بتلذذ القصص والحكم والكثير من الاشعار والطرائف عنهم، ويمتعض من (الطلعيّة التالية) كما يصفهم أي الأجيال الجديدة وهم في نظره مساكين! ماذا عملوا (باطرتهم النعمة) بمعنى أن الترف قد أفسدهم.
أصيب عليّان بمرض ثقيل الوطأة، ولم يكن يعرف طعم المرض. ولكنه يحمد الله لم يطرحه في الفراش. ورغم غصة الألم في حلقه وحزازته في نفسه فإنه لم يبرم به كبرمه بالأطباء (الدخاتر - كما يسميهم) وإلحاحهم عليه بألا يغضب أو يثور عليه أن يهدأ ويهدأ باستمرار كالخرقة المبللة!!؟ يا لهم من متعجرفين. إنهم هم يغضبون فلقد حدث ذلك أمام بصره وسمعه كانوا مجتمعين للكشف عليه وتخالفوا وتشاجروا في تشخيص علته ثم اختلفوا مرة أخرى في نوع العلاج المناسب له فثار أحدهم وكان أحمر الوجه فزادت حمرة وجهه من الغضب فكاد الدم أن يسيل منه!!
كيف بعليّان اللحمي الشحمي العصبي الدمي هل يتحول إلى قماش مكوي، يكون جثة متصلبة لا عواطف فيها لا انفعال ولا غيرة ولا غضب!!
كيف يستطيع هدوءاً وصدره تنور يضطرم بلهيب العواطف وجيشان الاحاسيس والمشاعر؟ أيسكت ويكتم زفراته الحرّى حينما يتذكر نكاية بنت عمه يوم رفضت بعولته، ربما لفقره أو لعدم وسامته لا يدري فأرغمها أبوها وهو عمه على الرجوع إليه - يوم كان الرجال رجالاً - ولكنها انتقضت وعافته بعد موت أبيها - وذلك بعد زواجهما بأقل من شهر ونصف - وأخذت تلصق به العيوب حتى لم تعد تقبل به امرأة بعدها.!
أيكون هادئاً وديعاً إذا مر به بعض الشباب المغرورين بشبابهم ووسامتهم فلمزوه أو غمزوه.؟!!
أم ينقع أعصابه في ماء فاتر عندما يزاوده (أبو دحيم) في الحراج ليكايده ويكسر اعتباره أمام خلق الله؟!! أو يريد منه (الدخاتر) أن يستميت ويحين ساعة يجذب (أبو حمدان) من يده السلع في الحراج صارخاً في وجهه (ولك شوبدّك يا عليّان بهاي الطنجره ونت عَزّابي!!.
كيف يريد هؤلاء (الدخاتر) منه أن يرتاح وقد نهاه أحدهم عن شرب القهوة و (الشاهي) ! والآخر نهاه أن يتأدم بالسمن البلدي (البري) أمور تغم القلب، ضحك ضحكته المتميزة وهي غالباً ما تخرج عفوية إذا أحست ذاته بالانتصار على الموقف فقد تذكر أنهم نهوا (راشداً) مؤذن المسجد عن أكل التمر!! فطاوعهم المسكين .. غضب عليّان حينما اقترب منه (الدختور) (ممدوح) ومعه (زقارة) والدخان يخرج من فمه فكاد عليّان أن يصفعه.
هكذا كان عليّان يحدث نفسه بصوت مسموع وهو يسرع الخطى مغادراً المستشفى. يا لهؤلاء (الدخاتر) يأكلون ويشربون ما يضر ولا يغني ولا يسمن من جوع! وينهون عن أكل وشرب الأشياء النافعة! فالقهوة «كيف الرجال وتنقض التعب وتطير العماس» والشاهي يغسل الكبد ويفرق عنها الدسم. وما لهم والسمن البري فمن يخلو طعامه منه فهو محروم لذة الزاد وأما التمر (فالأولين) قالوا (الرطب مسامير الركب) وهل يترك التمر عاقل؟! حتى المجانين لم يتركوه.
التفت عليّان إلى مبنى المستشفى وراءه ونظر إليه نظرة خاطفة أخيرة فقد قرر ألا يعود إليه مرة ثانية، فالله وحده هو الشافي. وليذهب كلامهم أدراج هوج الرياح وهكذا قفل عليّان راجعاً ينتزع خطاه سعيداً مستشعراً بعليانيته إلى مراتعه ومرابيه..
وعلى من يود الدخول والتعرف على موقع عليّان من (انترنت) الزمان والمكان أن يخرج من كوم الوهم إلى كوم الحقيقة أو العكس وفي منتصف المسافة بينهما سيقع على مرابع عليّان ومراتعه وسيلحظه متنقلاً بينهما مرة يرعى في حمى الحقيقة، ومرة يرعى في حمى الوهم وهكذا دواليك.
عبدالرحمن حمد السنيدي
إدارة تعليم البنين بمحافظة شقراء
ص. ب 73 - 11961 شقراء
|