Tuesday 9th september,2003 11303العدد الثلاثاء 12 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

زمنٌ شاميٌّ قديم زمنٌ شاميٌّ قديم
أنور عبد المجيد الجبرتي

كان ذلك قبل أكثر من عشرين عاماً ذهبنا ضمن وفد رعاية الشباب لتمثيل المملكة في المؤتمر العربي للشباب في دمشق.
* لم نكن شبابا بالمعنى الحرفي للكلمة، والعددي للسنين ولكننا بلاشك كنا اقرب الى سنوات الشباب عنفوانا وتجربة.
* رُفقاء الرحلة كانوا جمعاً جميلاً من الكهول، والشباب حقا كان هناك الدكتور حسن الهويمل والاستاذ محمد القشعمي، والدكتور الجغرافي العتيد عبد العزيز آل الشيخ وأفاضل آخرون.
* واذا كان السفر فرصة لمعرفة الآخرين واختبار معادنهم فما زلت اذكر صفاء معادن رفقاء ذلك السّفر وطيبة معشرهم، والايام الجميلة المثيرة التي قضيناها معاً.
* كانت تلك الرحلة الشاميّة طريفة ومثيرة على أكثر من صعيد.
* كان برنامجها الرياضي عادياً، ولكنَّ اجندتَها الثقافية والسياسية شائكة ومعقدة.
* بداية الثمانينيات الميلادية كانت زمناً هائجاً وساخنا انعكست اجواؤه على النقاش او الحوار الثقافي والسياسي اذا كنا نستطيع التعميم على الجدل في ذلك الزمان او هذا الزمان، فنصفه بالحوار او النقاش.
* كان هناك «كامب ديفيد» وزيارة السادات للقدس، وكانت هناك «المسيرة الخضراء» في المغرب والصحراء، وكان هناك الاخوة الطوبائيون الاصوليون الماركسيون مما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكان هناك البعثيون على انواعهم المختلفة قطريا وقوميا سوريون بالطبع وعراقيون وموريتانيون، ومتجولون سائحون من اقطار شتَّى وكان هناك الاخوة الفاتحون من ليبيا.
* وكان هناك، نحن واخوان لنا من دول خليجية نسبح أو نمشي الهوينى متأملين في غمار بحر ثائر متدفق وضفاف مضطربة مائجة ولغط ساخن عنيف.
* رؤساء وفود الدول الثورية وعناصرها واستخباراتها المزروعة في أركان القاعات وبين الشطائر سيكتبون تقاريرهم عن النصر المؤزر الذي احرزه الوفد في شرح الخط الثوري النقي، وتقديم السجل النضالي الوفي للحزب المبجّل والقائد المظفر والأخ الزعيم المكرّم وكيف نجح الوفد المذكور بحنكة رئيسه ونضال اعضائه في الاطاحة بالاطروحات الرجعية ومسح الارض بالشخصيات العميلة والمتآمرة «أو المتخلفة فكريا وعقليا وحضاريا وثوريا» من ممثلي ووفود الدول الاخرى التي لم ترتقِ بعد الى المستوى النضالي والثوري للحزب، والقائد في «دولتهم» الطوبائية.
* اذا كنا نتحدث اليوم او يتحدث بعضنا عن معضلة الأصولية والتطرف وغسل الدماغ وعدم قبول «الآخر» والعنف السياسي اللفظي والمادي فلعلَّنا «نُصَنْفِر» ذاكرتنا قليلا فنسترجع اجواء السبعينيات والثمانينيات العربية فنعرف أن التيارات اليسارية، والقومية احزابا وانظمة ومثقفين كانت ابعد ما تكون عن اجواء الحوار وقبول الآخر العربي المختلف والآخر العالي الليبرالي وكانت مفردات التكفير السياسي والقومي والوطني هي السائدة والمهيمنة على لغة الخطاب الرسمي والثقافي.
* التيار «الأصولي» المتطرف والإرهاب السياسي المتورط في العنف والتدمير هما الوريثان الشرعيان تفكيراً ومنهجاً، لتيارات السياسة والثقافة السائدة في فضاء عدة عقود يسارية وثورية وقومية.
* تعلَّم هذا الجيل الرافض العنيف والدموي مفردات الرفض والعنف الفكري والمادي من اجيال سبقته واجواء نشأ فيها، ويجب على الكهول والشيوخ المثقفين الذين يتصدون له بالتحليل والتقييم والتأصيل ان يتذكروا دورهم في تنشئته وقُدوتَهم في توجيهه، وان يستغفروا لذنوبهم ويتطهروا من آثامهم قبل ان يتصدروا المحافل، بالدعاء له هدايةً او الدعاء عليه حنقاً ونكايةً.
* استحضر ذلك الزمن الدمشقي فأذكر انني قابلتُ فيه مع رفاقي ذات الشاب العربي القديم الذي أراه اليوم في ثياب جديدة مع اختلاف بسيط في توزيع شعر الوجه والرأس وأطوال الثوب والعمامة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved