معالي الوالد الغالي الشيخ الصابر المحتسب ناصر بن عبدالعزيز الشثري - حفظه الله ورعاه - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن قلبكم النبيل الذي ينطوي على المعاني السامية وينبض بفيض المشاعر الرقيقة ليستحق كل الحب والتقدير والمؤازرة في محنتكم. وحين يقطع القلب من القلب، وتنتزع الروح من الروح، لا تصلح كلمات العزاء، ولا تجدي عبارات السلوان، لأن الحدث جلل والخطب جسيم، وماذا أقول فيما نحن فيه من حزن سادر، وألم معتصر غير ما قاله صاحب الأمر والمشيئة سبحانه وتعالى:{(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن:11)
وقوله تعالى:{وّاصًبٌرً عّلّى" مّا أّصّابّكّ إنَّ ذّلٌكّ مٌنً عّزًمٌ الأٍمٍورٌ (17)} وقوله صلى الله عليه وسلم « إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى» وقوله عليه الصلاة والسلام« ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» وقوله عليه السلام «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه» لقد رزيت عظيماً فاصبر على ما رزيت. لقد رحل والدنا الغالي الشيخ سعد بن عبدالعزيز أبو حبيب الشثري للقاء ربه راضياً مرضياً بإذن الله، وترك الذكرى العطرة لكل من عرفه وعرف فيه نقاء العقيدة، وطهر السريرة، وطيب الشمائل، وصدق النوايا ولا يستغرب هذا فهو ـ رحمه الله ـ سليل أسرة عزيزة بشمائلها، أصيلة بقيمها، وخلقها ووفائها، وفضلها، وصلة رحمها، طاب منبتها وسمقت أرومة رجالاتها، واستحقت ثناء كل من عرفها، كما استحقت تقدير واهتمام متميزين من ولاة أمر هذه البلاد الغالية. لقد عرفت الشيخ الجليل سعد الشثري منذ سنوات، رسخت في مخيلتي خلالها أروع الصور عن شخصيته المؤمنة، الهينة، اللينة، فقد كان ـ رحمه الله ـ عضدكم في السراء والضراء، وكان كالنسمة التي تداعب المشاعر لطفاً، وحباً، وامتزجت في سلوكه أصدق الأفعال وأطيب الأقوال وهو: هو في سجاياه النبيلة قدوة هو في السماحة خير قلب حافل الجود صار بموته في وحشة فعطاؤه من عاجل أو آجل يا درة ضنّ الزمان بمثلها ولآل الشثري هو أعظم راحل كنت استحضر صورة أبي عبدالله وهو يملأ المجلس ترحاباً لكل وافد، وما يقدر جليسه على مسايرة سؤاله المستمر عن الأهل والولد ـ رحمه الله ـ رحمة واسعة ـ حتى أنه وهو على فراش المرض ما فتئ يحث زائريه على تلبية دعوته للغداء أو العشاء في المزرعة، فتراه هاشاً باشاً في كل الأوقات يحمد الله كثيراً ويثني عليه ويودع أحبابه بكلمته المشهورة (جعلك ما تشوف شر). وحين أمد عنان النظر أراه ناحل الجسم، أسمر اللون، يهبط إلى المزرعة في أسفل الوادي ليملأ المكان تسبيحا وتهليلاً، وصورة أخرى تتمثل في حبه الكبير وتقديره لأثركم وأخباركم وتبجيله لمقامكم العالي، فتجده يسر بمقدمكم، ويستودعكم الله في غيابكم، كثير الذكر لمحاسنكم، يبتهج لسروركم، وما برحت صورته أمام عيني وهو يغافلكم ليهيئ المكان المريح لجلوسكم، وينقل مشاعركم لمن يحبكم ويودكم، ويؤانس من يزوركم ولم يجدكم، إنه نعم الصاحب العضيد. لقد سرني يا معالي الشيخ أن وفاء فقيدنا الغالي قد انسحب على أبنائه، فهاهم أبناؤه يبادرون أصدقاءه ومحبيه بالعزاء وهذا لعمري أروع صور النبل والود والبر لأصدقاء ومعارف والدهم، ولله در عبدالله وإخوانه فكم هم على جانب كبير من اللطف والعطف والمروءة، وأذكرهم ـ أدام الله عليهم نعمة السلوان ـ بأنه لا سبيل إلى الخلود والبقاء ولابد لكل نفس من الذهاب ولكل جسد من الفناء كما اذكرهم برثاء لبيد لأخيه اربد: وما المال والأهلون إلا وديعة ولابد يوما أن ترد الودائع! كان الشيخ سعد ـ رحمه الله ـ كالطود الشامخ الأشم قوةً وتحملا وصبرا على المكارم والمكاره فهو مثل أعلى وقدوة حسنة لمن أراد أن ينهل من الخلق النبيل ارفعه ومن الكرم والجود أبلغه رحم الله فقيدنا الغالي أبو عبدالله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأنزله منازل الصديقين والصالحين والشهداء وحسن رفيقاً. وأرجو المولى عز وجل أن يهبه - ووالديّ وأموات المسلمين - رحمته وعفوه، ويعوضه عن كدر دنياه النعيم وصفوه، وألهمكم يا والدي وإخوانكم النبلاء وأبناء الفقيد الكرام الميامين وأسرة أبو حبيب رجالاً ونساء الصبر والسلوان.
|