* رام الله - رويترز:
عرف عرفات طويلاً بقدرته على البقاء والنجاة من الأعاصير إلا أن استقالة رئيس وزرائه محمود عباس في خضم صراع على السلطة ربما تكون أصعب اختبار واجهه الزعيم الفلسطيني حتى الآن.
وكانت إسرائيل قد استبعدت عرفات كشريك للسلام بدعوى انه يحرض على العنف وهو ما ينفيه الرئيس الفلسطيني.
ويقول محللون إن رحيل رئيس الوزراء المعتدل محمود عباس الذي تقول إسرائيل انها ستتفاوض معه ربما يدفع حكومة ارييل شارون إلى محاولة طرد عرفات.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون مطالب من عناصر أكثر تشددا في حكومته اليمينية بطرد عرفات حتى الآن خوفا من رد فعل دولي غاضب.
ويقول محللون إن إسرائيل ربما تشدد فقط من حصارها لعرفات المستمر منذ 18 شهرا في المجمع الرئاسي الفلسطيني برام الله الذي تهدم نصفه وانها قد تمنعه من استقبال أي زائرين.
وعرفات (74 عاما) يعتبر رمزا للكفاح الفلسطيني من اجل دولة مستقلة منذ ثلاثة عقود، وتحت ضغط مكثف من جانب إسرائيل وواشنطن عيّن عرفات محمود عباس رئيسا للوزراء كخطوة باتجاه تنفيذ خطة سلام ترعاها الولايات المتحدة لانهاء العنف واقامة دولة فلسطينية بحلول 2005.
إلا أن الرجلين وجدا نفسيهما على الفور يخوضان صراع سلطة مع مطالبة امريكا وإسرائيل لعرفات بتسليم سلطاته لعباس.
ويقول عباس انه بدون السيطرة على قوى الأمن الفلسطينية فانه لن يمكنه التعامل مع جماعات المقاومة التي اعتبرت اغتيال إسرائيل لزعيم سياسي بارز في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) يوم 21 اغسطس اب نهاية لهدنة استمرت سبعة اسابيع.
وكرر عرفات مرارا انه ملتزم بالسلام مع إسرائيل الا أن واشنطن واصلت القاء اللوم عليه فيما يتعلق باراقة الدماء.
وقال كولن باول وزير الخارجية الامريكي في خطاب بجامعة جورج واشنطن يوم الجمعة الماضي «للاسف الرئيس ياسر عرفات لم يلعب دورا مساعدا... لم يكن محاورا من اجل السلام على مدى السنين. افعاله لم تدفع الاطراف المعنية قدما على الطريق إلى السلام».
وقال عباس إن مشكلاته مع عرفات لم تكن بشأن السلام لكنها كانت تتعلق بسبل تنفيذ الاصلاحات الأمنية لانهاء «الفوضى المسلحة» للمتشددين، ومع تزايد الضغوط الامريكية والإسرائيلية على رئيسهم كانت شعبية عرفات تتصاعد في اوساط الفلسطينيين.
وخرج عرفات وهو رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية من منفاه في تونس عام 1994 لقيادة منطقة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد توقيع اتفاقيات السلام في اوسلو 1993، وبحلول 1997 نال عرفات سيطرة كاملة او جزئية عبر اتفاقيات على 40 في المئة من الضفة الغربية ومعظم قطاع غزة.
وحصل عرفات على جائزة نوبل للسلام بالمشاركة مع شمعون بيريس وزير خارجية إسرائيل الاسبق ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين الذي قتله عام 1995 يهودي متطرف كان يعارض سياساته السلمية بعد توقيعهم اتفاقيات اوسلو الانتقالية عام 1993.
إلا أن المحادثات بشأن معاهدة سلام دائمة اصطدمت عام 2000 بقضايا منها حجم الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة ووضع القدس واللاجئين، وفي اعقاب ذلك تفجرت اسوأ موجة عنف خلال عقود بين الطرفين.
واستبعد الرئيس الامريكي جورج بوش تماما أن يكون عرفات رئيسا لاي دولة فلسطينية الامر الذي مثل ضربة قوية لرجل جسد القضية الفلسطينية وهو يجوب العالم لحشد الدعم لنضال الشعب الفلسطيني.
لم توجه الدعوة لعرفات لزيارة واشنطن ابدا منذ وصول بوش للرئاسة في 2001، وقليل من زعماء العالم البارزين يتوقفون في رام الله لمقابلته.
وقبل أن يعين عباس كأول رئيس وزراء فلسطيني قبل اربعة اشهر بدا وضع عرفات السياسي مهتزا تحت وطأة المساعي الامريكية والإسرائيلية ليصبح مجرد تاريخ.
إلا أن الفلسطينيين لم يتخلوا عنه حينذاك كما هو الامر الان.
من جانب آخر دقت استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس مسمارا اخر في نعش «خارطة الطريق» لاحلال السلام التي تدعمها الولايات المتحدة وزادت من امكانية اندلاع موجة جديدة من أعمال العنف في الشرق الاوسط.
وقال دبلوماسيون ومحللون سياسيون انه ليس أمام الخطة فرصة كبيرة للنجاح سواء قبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات استقالة رئيس وزرائه المعتدل ام لم يقبلها. وأضافوا أن ابتعاد عباس (أبو مازن) سيزيد من صعوبة نفي أي جانب من الجوانب المعنية لحقيقة أن خارطة الطريق تواجه مشاكل كبرى كما تعقد استقالته الجهود التي تبذل لوقف العودة للعنف.
وقال علي الجرباوي استاذ العلاقات الدولية الفلسطيني بجامعة بيرزيت «لا أعتقد انه سيكون هناك اثر كبير على عملية السلام لانه لم تكن هناك أساسا عملية سلام».
«ربما تكون الاوضاع أفضل الآن بعد أن انكشفت الامور، سيعلن انه لم يكن هناك تنفيذ لخارطة الطريق من جانب إسرائيل وانه لم تكن هناك اجراءات تتخذ من جانب الولايات المتحدة لاقناع إسرائيل بتنفيذ خارطة الطريق».
وبعد أن شعر عباس بالاستياء من الصراع على السلطات الأمنية مع عرفات ومما يراه بعدم تعاون من إسرائيل والولايات المتحدة طلب عباس من المجلس التشريعي الفلسطيني اما مساندته او عزله.
وبعد أن نفذ تهديده وقدم استقالته وضع عرفات في موقف صعب ويبدو أن الرئيس الفلسطيني يترك كل الخيارات مفتوحة أمامه قبل اتخاذ قرار نهائي حول ما اذا كان سيعيد تكليف عباس.
وقبول استقالة عباس سيمثل انتصارا لعرفات في صراعهما على السلطات كما يؤكد انه ما زال عنصرا «فاعلا» في السياسة الفلسطينية بالرغم من محاولات
الولايات المتحدة وإسرائيل لابعاده عن الصورة.
ورفض استقالته سيرغم عرفات على قبول بعض مطالب عباس على الاقل مثل الحصول على سيطرة أكبر او كاملة على قوات الأمن.
وقال دبلوماسي غربي «قد يكون من مصلحته (عرفات) الابقاء على عباس كما هو في مصلحة اسرائيل والامريكيين، وفي النهاية سيكون من الصعب معرفة من الرابح الحقيقي اذا رحل عباس».
وقد يزيد ابتعاد عباس من سرعة السقوط في موجة من أعمال العنف في أعقاب انهيار الهدنة التي أعلنتها جماعات النشطين الفلسطينيين، ويلقي الفلسطينيون باللوم على إسرائيل في انهيار الهدنة الشهر الماضي ويقولون إن الزعماء الإسرائيليين لم يقدموا أي شيء لتخفيف مصاعب المواطنين الفلسطينيين اثناء الهدنة وان الجيش الإسرائيلي واصل قتل واعتقال النشطين.
ويشعر الدبلوماسيون الذين يتعاملون مع إسرائيل والفلسطينيين الآن بتشاؤم وقال دبلوماسي اوروبي «من الواضح اننا نتجه إلى عنف اسوأ من أي وقت مضى. كانت خطة خارطة الطريق تعطينا بعض الامل وكذلك تعيين أبو مازن ولكني الآن غير متفائل على الاطلاق».
|