لما القوم مستاءون من برنامج (سوبر ستار)؟ ومن جماهيريته ومن شعبيته الطاغية التي وصلت إلى أربعة ملايين مكالمة هاتفية، وكادت أن تتطور تبعاته إلى إشكالية سياسية؟
لا أدري مسبب السخط من البعض؟ ألم نقرأ عبر التاريخ بأن العامة كانوا يتابعون القرادين والحواة في الساحات العامة؟ فتفتنهم لعبهم وأحابيلهم؟ وها هم اليوم يتابعون بهلوانات الفضائية، شعوب مستلبة الإرادة وآلية النقد والتفكير، فراغ عميق بالداخل هذا الفراغ من الممكن أن يملأه أي قراد برقصات قروده، أين المشكلة هنا؟ ألم يقل المسيح عليه السلام: (لا تنثر الدر عند الخنازير)، لذا لما نفترض من الجميع أن يتبنوا القضايا القومية والمصيرية السامية وعلى حين أن التاريخ دائما يصنع عبر أفراد محدودين هم الذين يوجهون العامة ويسوقون قطعانها.
ألم يقل الإمام أبو حنيفة «رحمه الله» (آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه)، عندما كان في أحد مجالس العلم في المسجد، فانضم إلى حلقته رجل مهيب المنظر والسمت، فقام أبو حنيفة بثني رجليه والاعتدال في جلسته تبجيلا له، ولكن الرجل سأل الإمام، متى يمسك الصائم؟ فأجابه: - عند الفجر، فعاد الرجل يسأله، هب أن الشمس طلعت قبل الفجر؟ عندها قال الإمام أبو حنيفة قولته المشهورة السابقة.
إذاً لم القوم مستاءون هي سوق كبيرة وفاسدة ومن الممكن أن تبتلع كل ما يلقى بها حتى أكثر البضائع تسمماً، فالقرادون والحواة كانوا هناك عبر التاريخ، فماذا تغير، يقول الفيلسوف جون ديوي (لن تنفعنا فضائل العالم كلها إذا كان ينقصنا الذكاء والعقل، وليس الجهل نعمة وسعادة بل فقدانا للشعور واستعباداً ورقاً، والعقل وحده هو الذي يمكننا من الاشتراك في تكوين مصيرنا)، وبالتأكيد قول هذا الفيلسوف الشهير يتقاطع مع ما قاله أبو الطيب:
وذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
|
|