عقلية (نحن الأفضل) توجد في الشرق والغرب على حد سواء. إنها ليست حكراً لبشر عن بشر من حيث إن طابعها إنساني على وجه العموم، وغني عن القول إنها قد شاعت في الماضي وتشيع في الحاضر في كافة المجتمعات الإنسانية على مختلف ثقافاتها وعقائدها ومواقعها الزمنية والمكانية. ومع أنه من الصحيح أن التقدم الإنساني في العلم والتقنية قد قلَّل من حدة وشيوع هذه العقلية، فالتفاوت في الحظوظ التقنية بين الغرب والشرق قد خلق لدى العالم الغربي نوعا من الاحساس بالتفوق البايولوجي/العرقي على غيرهم من الشعوب الأخرى، في المقابل فقد تخلق في الشرق وبسبب هذه الفجوة العلمية/ التقنية نوعا من الشعور بالدونية الأمر الذي نجم عنه ردات فعل ثقافية ازدادت بسببها معدلات تخلفنا التقني، حيث لم تجد بعض الفئات الاصلاحية في العالم العربي سلاحا أجدى وأمضى وأكثر تعليلاً من ادعاء «التفوق المعنوي/ القيمي»، تعويضا منها لمشاعر الحرمان النسبي ووخزات الشعور بالدونية في المجالات المادية/التقنية.
هذا ولا شك في أن عقلية «نحن الأفضل» الغربية تمثل قمة العنجهية، وليس لها في الواقع ما يبررها من حيث إن تفوقهم التقني لم يكن ليحدث لولا تراكمية العلم والجهود الإنسانية المشتركة تاريخيا، ويكفي في هذا المنحى ما أثبتته دراسة حديثة من قِبَل منظمة اليونسكو من أن عدد العلماء العرب ممن هاجر إلى الغرب يبلغ حوالي ستة ملايين عالم في شتى التخصصات والمجالات العلمية والتقنية. كذلك فليس هناك ما يبرر عقلية «نحن الأفضل» الشرقية فهي بالأحرى تجسد مضامين المقولة الثعلبية «تف عليك حامضة..!»، فضلاً عن كونها دعوة إلى الركون إلى المثاليات والتشبث بالأوهام، وبقليل من التفحص الواعي نجد أن هذه العقلية تقف بكل شموخ غريب بوصفها أحد الأسباب الرئيسة وراء هجرة أو تهجير ستة آلاف عالم عربي مؤهل، فهي أعجز من أن تحتويهم ثقافياً على نحوٍ قد تستطيع معه فيما لو نزلت من عليائها العنقائية أن تنافس الغرب وتجاريه رأساً برأس بل وتنازله بمثل سلاحه من منتجها المحلي.. لا بسلاحه المعدل للأسوأ تقنيا والمستورد من هناك بأغلى الأثمان.
ختاماً.. ما هو موقع عقلية «نحن الأفضل» من خارطة المفهوم المعروف علمياً ب«التعصب السلالي: Ethnocentrism».. والذي يعرف كذلك باسم «التمركز حول السلالة»..؟ أما الإجابة عن هذا السؤال ومشتقاته فمحورها مقالة شدو القادمة إن شاء الله.
|