التخطيط هو العربة السريعة نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية قصيرة وطويلة المدى، وبدون تخطيط يكون العمل عشوائياً مجهول النتائج، العمل غير المخطط يكون في الغالب في غياب المقاييس العلمية، ويكون مدفوعاً برغبة وقناعة شخصية للمسؤول حتى ولو كانت على حساب المصلحة العامة، هناك مثل ياباني يقول: (إذا كنت تخطط لمائة عام، علم الناس)، وهذا ما خطط له خادم الحرمين الشريفين حيث تولى - حفظه الله - وزارة المعارف وخطط لتأهيل وتهيئة الكوادر البشرية لقيادة التخطيط والتنفيذ لمشاريع التنمية من خلال نشر العلم والتعليم، وذلك قبل التخطيط لمشاريع التنمية، فبدأ بنشر التعليم ووسائله ومؤسساته من مدارس ومعاهد وجامعات قبل أن تبدأ خطط التنمية، ويرجع فشل الكثير من نماذج الخطط لإهمالها هذا العنصر المهم والاستراتيجي.
من خلال متابعة تصريحات المسؤولين في الدولة على مختلف مستوياتهم حول مشاريع الخصخصة، لفت نظري ما أوضحه المهندس أحمد المديهيم نائب محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه للشؤون الفنية والمشروعات بأنه تم طرح أول مشروع للمياه والكهرباء على القطاع الخاص، ضمن أربعة مشاريع تتجاوز تكاليفها 30 مليار ريال، ثلاثة مشاريع أخرى ستطرح لاحقاً..
(جريدة الجزيرة العدد 11287 ليوم الأحد 26 من جمادى الآخرة 1424هـ، 24 من أغسطس 2003م).
وقفز سؤال في ذهني من سيتولى التصدي لإدارة دفة المفاوضات المالية والقانونية في هذه المرحلة، ووجدت الإجابة في ثنايا التصريح بأنه تم تكليف شركات أو مؤسسات مالية وقانونية عالمية أجنبية لتولي تلك المهمات وهي:
1- (Hong Shanghi Bank Corporation (HSBC استشاري مالي ومنسق للمجموعة.
2- cliford Chance مع يوسف ومحمد الجدعاني، استشاري قانوني.
3- Fichtner فيشتنر استشاري فني.
وهنا اتساءل: لماذا لم تشارك البنوك والمؤسسات المالية الوطنية في هذه المجموعة وذلك من باب المساهمة واكتساب الخبرة من خلال الاحتكاك والمشاركة مع المؤسسات المالية العالمية.
من متابعة التصريحات في هذا المجال لم أسمع من يتطرق إلى هيئة كوادر وطنية لتتولى أو على الأقل تشارك هذه المؤسسات في مراحل التفاوض حيث إنها مراحل حساسة وطويلة ومكلفة مالياً خصوصاً المفاوضات المالية والقانونية حتى لا نكون في قراراتنا رهينة للآخرين In somebody else pocket.
الخصخصة لها أكثر من بعد، منها البعد الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي، الإداري، المحاسبي، والبعد التنظيمي، لذلك فهي ليست تخصصاً محدداً وإنما هي تطبيق لمجموعة من العلوم والتخصصات الإدارية والمالية بجميع فروعها منها إدارة الأعمال، المحاسبة، القانون، الاقتصاد، التأمين، الإدارة العامة.
لذلك نتوقع أن يكون من أولويات مشاريع الخصخصة استقطاب الكوادر البشرية المتخصصة علمياً في هذه المهارات والعمل على تأهيلها سواء بالابتعاث للدراسة أو استقطاب أفراد لديهم الخلفية الأكاديمية والعلمية والعمل على تدريبهم من خلال دورات مكثفة في مجال الاستثمار والتمويل ومحاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية والتجارة الدولية والشؤون القانونية والتحكيم الدولي وحل النزاعات التجارية ولا تكفي الدروس الخصوصية أو حضور ندوة أو دورة هناك في هذه المجالات،
عدم الاهتمام بهذا الجانب جعلنا نتلقى نماذج التخصيص والدروس الخصوصية من دول الجوار، ونتج عن ذلك البطء في اتخاذ القرارات حتى نستوعب هذه الدروس.
وعليه أقترح تناول هذا الجانب بوضع خطة لمدة سنة إلى خمس سنوات تشمل ما يلي:
أولاً: خطة تدريب على رأس العمل On Job Training يتم من خلالها استقطاب أفراد لديهم المؤهلات العلمية الجامعية في المجالات المذكورة أعلاه، ويتم تدريبهم في مشاريع مشابهة في مكاتب المؤسسات المالية والقانونية التي تتعامل مع الاستشاري المالي والقانوني.
ثانياً: خطة لابتعاث أفراد لديهم مؤهلات جامعية لحضور دورات مكثفة لا تقل عن سنة في مؤسسات مالية وبنكية مثل البنك الدولي وبنك منهاتن أو لدراسة الماجستير في المجالات المذكورة أعلاه.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أن اختيار الأشخاص لمواقع العمل والمسؤولية في هذه المشاريع ينبغي ألا تؤخذ بالمظاهر والشكليات أو الولاءات الشخصية والمصالح المتبادلة أو على قاعدة I Like Or I Dislike، لأن العمل ليس عملاً شخصياً حتى نشرك فيه من نحب ونحجب عمن نكره، وذلك على حساب راحة المواطن وخدمته ومستقبل الوطن، وليضع الجميع نصب عينيه وعلى مكتبه ما جاء في الأثر «من يولي امرأ على أمر لقرابته أو محاباة له فقد خان الأمانة». والمحاباة وتفضيل الأقارب قليلي الخبرة من أسباب فشل الكثير من الشركات المساهمة، لأنه عندما يتصدى مسؤول لقرارات تتطلب خلفية متخصصة، يكون أمام خيارات، إما أن يكون امعة ورهينة للآخرين أو يتبع أسلوب التخمين «حادي.. بادي.. شالو.. حطو.. كل في هادي» أو يؤخر القرار ويجمده حتى يستوعب الدروس الخصوصية التي يتلقاها، وهذا ما هو حاصل في كثير من المؤسسات وهو سبب التخلف في اللحاق بالركب.
لذلك لا بد أن تعلن وظائف مشاريع الخصخصة في الصحف لاختيار الأفضل والأكفأ، وفق معايير علمية تضع في الاعتبار الخلفية المؤهلات العلمية والخبرة ومهارات تكنوقراطية، فهناك كفاءات في البلد تحمل من المؤهلات والخبرات والمهارات في مجال الاستثمار والتمويل والمحاسبة وإدارة الأعمال، وعندما تتاح لها الفرص تتفجر إبداعاً ووطنية وإنجازاً، ولا يكفي أن تسلم هذه المواقع لأشخاص مؤهلاتهم حضور دورة أو ندوة أو درس خصوصي هنا أو هناك.
055475236
|