* صنعاء-الجزيرة -عبدالمنعم الجابري:
حددت السلطات المعنية في الجمهورية اليمنية جملة من الإجراءات والتدابير التي تعتزم اتخاذها خلال المرحلة القادمة لمواجهة مشكلة المياه والحد من الخطر الذي بات يتهدد الموارد المائية في اليمن التي يعتمد معظم سكانها بدرجة أساسية على المصادر الجوفية في تأمين احتياجاتهم من المياه سواء المستخدمة للأغراض المنزلية أو في الزراعة.. هذا إلى جانب مياه الأمطار. ويتمثل الخطر الذي تسعى السلطات اليمنية للحد من آثاره المتمثلة في تراجع منسوبات المياه الجوفية في العديد من المناطق التي أصبح خطر الجفاف يتهدد مخزونات أحواضها المائية، وتعد العاصمة صنعاء إضافة إلى مدينة تعز التي تبعد عنها بنحو 270 كيلو متر إلى الجنوب، وكلاهما تعيشان نقصاً حاداً في إمدادات المياه منذ سنوات إلى جانب محافظة (صعدة)، في مقدمة المناطق اليمنية المهددة بخطر الجفاف.
وفي هذا الصدد توقع تقرير اصدره البنك الدولي مؤخراً أن تكون العاصمة اليمنية (صنعاء) أول عاصمة في العالم بدون مياه مستنداً في ذلك إلى دراسات قام بها خبراء روس وهولنديون أظهرت صورة مخيفة حول مضاعفات نقص المياه في مدينة (صنعاء).
ووفقاً للدراسات التي أجريت فإن الحوض المائي لصنعاء مهدد بالجفاف في غضون سنوات قليلة وتحديداً خلال الفترة بين عامي 2008- 2010 م كحد أقصى مالم يتم اتخاذ تدابير سريعة وعاجلة لمواجهة هذه المشكلة وكذلك الحال بالنسبة لمدينة (تعز) ومحافظة (صعدة).
وكشف تقرير للهيئة العامة للموارد المائية (اليمنية) عن وجود عدد من أحواض المياه الجوفية في اليمن وصلت مخزوناتها إلى مرحلة حرجة وعلى رأسها حوض (صنعاء) الذي يصل صافي السحب من موارده الجوفية إلى 182 مليون م3 في العام مقابل تغذية طبيعية لا تتجاوز 52 مليون م3 وبحيث ان حجم المياه المستهلكة من هذا الحوض يزيدعلى حجم التغذية بنسبة 350% سنوياً، وعليه فإن منسوب المياه في حوض يشهد انخفاضاً سنوياً يتراوح بين 6-8 أمتار ويلي منطقة صعدة التي تسحب من مخزونها الاستراتيجي بحدود 65مليون م3 في العام مقابل تغذية طبيعية تصل إلى 6 ،5 ملايين م3 بمعدل 1000% مما أدى إلى معدل انخفاض المنسوب في هذه المنطقة إلى 6- 8 أمتار في العام، ويلي ذلك حوض مدينة (تعز) الذي يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الحرج إذ إن كميةالمياه الجوفية التي يتم سحبها من هذا الحوض تتجاوز معدل التغذية الطبيعية بنسبة تصل إلى 210% مما أدى إلى تناقص منسوب المياه الجوفية في هذا الحوض بمعدل 2-6 أمتار سنوياً.
ووفقاً لتقريرين صادرين عن هيئة الموارد المائية اليمنية ومشروع إدارة حوض صنعاء فقد أظهرت نتائج الدراسات بالنسبة للتقرير الأول أن المخزون الجوفي لحوض صنعاء سيستنزف في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين مشيراً إلى أن الموارد المتجددة للحوض سنوياً تقدر حالياً بنحو40 مليون م3 وهي تمثل تغذية المياه الجوفية و40 مليون م3 تمثل مياه سطحية. وتبين الدراسات أن الاحتياجات للمياه في الجانب الزراعي بالنسبة لصنعاء كانت عام 90م 151 مليون م3 وفي الجانب المنزلي 22 ،75مليون م3 والاحتياج الصناعي 4 ،7 ملايين م3 في حين وصل الاحتياج الزراعي لعام 2000 إلى 207 ملايين م3 والاحتياج المنزلي إلى 62 مليون م3 والصناعي 8 ،2 مليون م3 ، وبإجمالي 277 مليون م3 لتصل بذلك الفجوة إلى 187مليون م3.
وحسب الدراسات فإن احتياجات صنعاء من المياه في العام 2010 ستصل إلى 441 مليون م3 وستبلغ الفجوة في المياه المتوفرة والمياه المطلوبة للاستخدام بحدود 351مليون م3.
وأوضح تقرير هيئة الموارد المائية أن البدائل المتاحة لتوفير مياه الشرب للعاصمة اليمنية(صنعاء) تتمثل في حفر آبار قرب المدينة أو سحب المياه من المصادر القريبة لها أو من الوديان خارج محافظة صنعاء.
أما آخر بديل فهو التحلية رغم تكلفته الأكبر حيث إنه وللحصول على مياه للشرب بجملة 100مليون م3 سنوياً سيكون مطلوباً 692 مليون دولار تكاليف الإنشاء و1224 مليون دولار نفقات تشغيل 15 سنة و100 مليون دولار التكاليف السنوية.
أما تقرير مشروع إدارة حوض (صنعاء) فقد أوضح أن عدد سكان الحوض يقدر بنحو 1 ،8 مليون نسمة ومساحته 3200 كم2 وفيه 2400 هكتار من الأراضي المروية و110 آلاف هكتار أراضٍ قابلة للزراعة .
وقدرت المياه المستخدمة غير المتجددة من 2 إلى 3 مليارات م3 متواجدة في ثلاثة خزانات جوفية.. في حين أن كمية المياه الجوفية المستخدمة في السنة التي تقدر بنحو25000 مليون م3 منها 80% تستخدم في الزراعة ثلثاها في ري القات والعنب والباقي 20% تستخدم للشرب والصناعة، وتزيد نسبة الضخ على نسبة التغذية بمعدل 100% .
وخلص التقرير إلى أنه وفقاً لهذا الوضع فإن المخزون الجوفي لصنعاء سينضب خلال 10-20 سنة قادمة كحدٍ أقصى. وحسب الدراسات فإن مصادر المياه الجوفية في اليمن تتعرض لاستنزاف عشوائي جائر بحيث إنه في العام 2000م وصل حجم استخدام الموارد المائية إلى المتاح فيها بالنسبة لقطاعات الزراعة والصناعة والتعدين والاستخدامات البلدية إلى 3970 مليون م3 وسيصل الاستخدام في 2025 إلى 4635 مليون م3.
ويرى المختصون أن اسباب الانخفاض الكبير في مصادر المياه الجوفية في اليمن يعود إلى الحفر العشوائي للآبارالارتوازية على مستوى عموم مناطق البلاد.
وتشير دراسات إلى أن شجرة القات تستحوذ على معظم المياه المستخمة للزراعة في الجمهورية اليمنية بحيث يقدر عدد أشجار القات المزروعة في اليمن بأكثر من 200 مليون شجرة وتغطي ما نسبته 49% من مساحة الأراضي المزروعة وبالتالي فهي تستهلك أكثر من 50 % من المياه المستخدمة في الزراعة.
وكما يؤكد المهندس علي سعد عطروس القائم بأعمال المدير العام للدراسات والبحوث في الهيئة العامة للموارد المائية في صنعاء فإن المياه تمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لليمن إذا لم يتم تداركها وإيجاد المعالجات والبدائل الملائمة لتفادي وقوع كارثة مائية خلال السنوات القادمة.
مشيراً إلى أن أبرز أسباب هذا الخطر تعود إلى الاستنزاف العشوائي لأحواض المياه الجوفية من خلال الحفر العشوائي للآبار والتي يصل عددها في اليمن إلى 60 ألف بئر منها 13 ألف بئر في حوض صنعاء الذي قال إنه يتعرض لاستنزاف بمقدار 8 أمتار في السنة.
وحسب المصادر فقد شهد العام 2002 حفر ثلاثة الآف بئر في اليمن في الوقت الذي يوجد هناك نحو 30 ألف بئر من تلك القائمة يتم من خلالها سحب المياه الجوفية من أعماق بعيدة.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن 68مليار م3 سنوياً هو إجمالي مياه الأمطار التي تهطل على اليمن في حين أن كمية التبخر والنتح تفوق كمية الأمطار الهاطلة في معظم المناطق وعليه فإن متوسط هطول الأمطار التي تشكل المصدر الوحيد للمياه المتجددة في اليمن يقدر سنوياً بنحو 157مم3.
في حين يقدر إجمالي الموارد المائية الجوفية المخزونة كمصدر ثان بعد الأمطار بحوالي 10 ،370مليار م3 منها 1 ،525 مليون م3 مياه متجددة أي ما نسبته حوالي 0 ،02% من إجمالي موارد المياه الجوفية.
وهناك دراسات حول مستقبل المياه في اليمن طالبت وتطالب بتحرك سريع وعاجل لإيجاد حلل لهذه المشكلة قبل وقوع الكارثة.
وتدعو هذه الدراسات إلى ضرورة الحد من استخدام المياه على الصعيد الشخصي والتأقلم على استخدام طرق حديثة في الري وترشيد استهلاك الماء في المجالات العامة.
إضافة إلى حلول طويلة المدى تتمثل في ضرورة العمل على تنويع مصادر الحصول على المياه مثل إقامة السدود والاستفادة القصوى من مياه الأمطار ومعالجة مياه الصرف لاستخدامها في مجالات عامة إلى جانب البحث عن مصادر أخرى للمياه.
وإزاء ذلك فقد أخذت الحكومة اليمنية تركز في خططها على إنشاء السدود والحواجز المائية للاستفادة من مياه الأمطار في الزراعة إلى جانب تغذية أحواض المياه الجوفية.
هذا بالإضافة إلى إدخال وسائل الري الحديثة لكن هذه المعالجات وكما يرى المراقبون تسير ببطء نظراً لوجود صعوبات تتمثل بعدم توفر التمويلات الكافية للمشروعات التي تتضمنها الخطط على اعتبار أن معالجة المشكلة وإيجاد بدائل آمنة لمصادر المياه بحاجة إلى إمكانيات مالية كبيرة تقدر بمليارات الدولارات إذا ما أخذ في الاعتبار أن تحلية مياه البحر من الحلول التي تضعها الحكومة اليمنية والتي قد لا تجد مناصاً من اللجوء إليها مستقبلاً.
ووفقاً لتصريحات مصادر حكومية فقد حصلت اليمن على موافقة من البنك الدولي للمساهمة في تمويل مشاريع لتغذية المدن الرئيسية بالمياه بقرض قيمته 250 مليون دولار.
|