Sunday 7th september,2003 11301العدد الأحد 10 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حِصَّة أولى (حُبّ).. حِصَّة أولى (حُبّ)..
أيُّها (المربوُّن والمربيَّات)..؟!
حماد بن حامد السالمي

* هي أيام ستة، ويعود إلى صفوف الدراسة في عموم المملكة، قرابة خمسة ملايين طالب وطالبة.
* ماذا أعددنا لهؤلاء الناشئة، في اليوم الأول من العام الدراسي الجديد..؟
* بل.. ماذا أعددنا لهم في الحصة الأولى من برنامج، اليوم الدراسي الأول..؟
* كنا في سنوات فارطة، وعندما يستجد أمر ما يهم المجتمع، ونريد إيصال رسالة ما بشأنه إلى الأبناء والبنات، وحتى إلى أولياء أمورهم في منازلهم، نلجأ إلى اقتطاع حصة من حصص اليوم الكامل، أو بعض من حصة فيه، للكلام على ما نريد، والحديث عن هذا الشأن أو ذاك، من باب توعية الرأي العام، لأن أبناءنا وبناتنا في المدارس، هم لُبّ هذا (الرأي العام)، وهم الذين يعدون في دفاتر النفوس الآنية، رُبع الأمة عدداً، لكنهم عددها وعدتها في المستقبل القريب والبعيد.
* كنا - وهذه خصلة محمودة - نشارك المعنيين بتنظيم أسابيع المرور، والدفاع المدني، وخدمة المساجد والصحة وغيرها، فنحول جزءاً من وقت حصة ما في الدرس، إلى درس من نوع آخر جديد، يحبه طلابنا وطالباتنا بدون شك، لأن فيه جِدة، وفيه كسراً لرتابة، وفيه معايشة، مع مناسبة معاشة.. عرفت هذا عن قرب، أيام الطلب، وكذلك أيام القيام على الطلب، وما زلت أنادي، بنقل المدرسة إلى عمق المجتمع، وأخذ المجتمع إلى فصول المدرسة، لأن همومنا وقضايانا الوطنية والاجتماعية، لا تحل بالطرح (الماضوي) وحده، على ما في حناياه من عبر ودروس، قد يستسيغها البعض، ولا بذلك الطرح (الرغبوي) الجامح، على ما يزخر به من أمنيات أخاذة، وعواطف جياشة، ولكنها هموم وقضايا، تحل بفهم واع للواقع المعاش، والبناء عليه لما هو قادم، وفي فصول المدرسة، ومن خلال أدائها النير، تتكون هذه الفهوم الواقعية، متحررة من تلك (الماضوية) المحنطة، وبعيدة عن (الرغبوية) المفرطة في الخيالات والأمنيات.
* ماذا أعددنا من قول، نفتتح به برنامج الحصة الأولى صبيحة يوم السبت القادم..؟
** إننا نمر في أيامنا هذه، بتجربة أمنية، أو لنقل: (أزمة أمنية)، صعَّدها شباب منحرف ضال، بضاعته الأكيدة، كراهية بغيضة حتى التخمة، ينوء بحملها ضد بلده ومجتمعه والناس أجمعين، ولأن هذه حالة مرضية، نرجو أن تكون عارضة، فقد وجب تشخيصها بدقة، والتصدي لعلاجها بجدة، ولا أرى أصلح لهذه المهمة الشريفة، من كتائب التربية والتعليم، الذين يقضون مع طلابهم وطالباتهم كل يوم، وقتاً أطول مما يقضيه معهم الآباء والأمهات، ولأن أزمتنا مع (بعض) الشباب المتطرف كما يبدو، هي أزمة كُره، ولأن الكُره، هو ضد الحب بكل معانيه السامية والنبيلة، فنحن إذن في حاجة ماسة إلى جرعات كبيرة من بلسم الحب، الذي لن نجده بالصورة التي نريد، إلا في المدرسة، ليس في بطون الكتب المدرسية فقط، ولا في صلب المناهج وحدها، وإنما في سلوك المعلمين والمعلمات، وفي تقصدهم الصادق لهذا النهج، داخل المدرسة وخارجها.
* نحن إذن.. نعاني من مرض (الكراهية)، الذي نلمسه بين شخص وآخر، وبين فئة وأخرى، وبيننا وبين غيرنا، وقد نجح خصوم الحب وأعداء الحياة ذات يوم، في زرع زقوم هذا المرض الخبيث، في حدائق المجتمع الطيب، فلا سبيل للخلاص من هذا الوباء، إلا بنشر الحب على أوسع نطاق.
* نحتاج إلى أن يحب الابن أباه، ويحب أمه، وهما يمنحانه حباً بحب، وأن يحب الأخ أخاه وأخته، ويحب الجار جاره، والزميل زميله، ويحب أهل الحي حيهم، وأهل القرية والمدينة بعضهم، ثم يحب أبناء الشعب الواحد بعضهم بعضاً، فإذا فعلوا ذلك، وصلوا إلى قمة الحب، بعد حب الله وحب رسوله المصطفى عليه وعلى آ له وأصحابه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. إنه (حب الوطن)، الذي هو جزء من الإيمان، وهو صمام الأمان، وبموجبه يتحقق الأمن والاستقرار، وتصبح الحياة في هذا الكون، مثمرة حلوة شهية، وصدق الشاعر حيث قال:
الحب لله.. ثم الحب للوطن
حكاية الناس.. في الدنيا وفي الزمن
* الحب في أسمى معانيه، هو نقيض البغض، وضد الكراهية، وهو يعني السلام، ويفضي إلى الأمان، فهو بين البشر، توأم الشفقة، وهو الذي يجمع ولا يفرق؛، وهو يمثل حقيقة جلية في الحياة، ليس عند الناس وحدهم، ولكن تبدو آثاره ظاهرة في حياة الحيوان، والطير، والأسماك، والحشرات، وسائر المخلوقات، فهو الذي يمثل جانب الخير في الحياة، بينما جانب الشر يمثله البغض، والمؤمن الصادق، مجبول على الحب، لأنه من طبيعة الأخيار، وقد جاء في الأثر: (المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف).
* كيف تستقيم حياة إنسان بدون حب..؟!
* يقول (آشلي مونتاجو): تكشَّف للعلماء في أيامنا هذه، أنك لكي تحيا كما يجب أن تكون الحياة، وأن تحب، هما شيء واحد، لأن ذلك - بالضرورة - هو السبيل الأمثل للحياة المتسقة مع حاجات الإنسان الفطرية.
* وفي دراسته المثيرة عن (الحب)، كظاهرة إنسانية فريدة في الوجود، يقول الدكتور (ليوفليس بوسكا جليا): الحب صبور شفوق، الحب ليس الغِيرة، ولا الغِرَّة، ولا الغرور. الحب ليس الخلق السقيم، ولا الأنانية البغيضة، ولا حدة الطبع. الحب لا يحتفظ بسجل للأخطاء. الحب يفتقد السعادة في الآثام، ويجنيها مع الصدق. الحب لا يعرف الهجر، ولا يعترف بالعجز، فهو الإيمان، والأمل، والصبر الذي لا ينفد. هناك ثلاث: (اليقين والأمل والحب).. أعظمها جميعاً الحب..!
* إن من يعيش (الحب) الحقيقي، هو الإنسان الذي يعرف قيمة محيطه بكل تفاصيلها، فهو يحترم الأنظمة، لأنها تصون كرامته، وهو يقف عند حدوده، عندما تبدأ حدود غيره من الناس، وهو بالتالي، يضع نفسه حيث ينبغي أن تكون.
* سألت نفسي قبل ساعات من كتابة هذا المقال: لماذا لا ينظر المربون والمربيات في بلادي، إلى موضوع (الحب)، على أنه حاجة إنسانية ماسة، تتجاوز المعنى الرابط بين اثنين في غرام، إلى ذلك المعنى الكبير بحجم الكون كله، الذي يعني زحزحة البغض من الصدور، وحلحلة الكره من النفوس، وإحلال النور مكانهما بين الجوانح المفطورة على الحب ابتداءً..؟!
* يا أيها الاخوة والأخوات، من كتائب التربية والتعليم في مدارسنا اليوم، خصصوا الحصة الأولى من دروس اليوم الدراسي الأول لموضوع الحب. حب الأهل والأقارب، حب الناس كافة، الأقربين منهم والأبعدين، حب الديار ومن سكن الديار.. ديارنا من هجر وقرى وبوادٍ ومدن، حب الوطن الحبيب الكبير، وترسيخ العمل على وحدته ومجده وعزته، حب الخير في الإنسان وللإنسان، قولاً وعملاً. حب الحياة، لأن في حب الحياة، إعانة على الاستعداد لما بعدها.
* نحن في خير عميم، ما دمنا نفشي الحب بيننا، وسوف يظل وطننا بخير هو الآخر، ما دمنا مواطنين خلصاء، نعلم الحب ونتعلمه، فنحب وطننا أكثر من ذواتنا.
* خطب الزعيم المصري الراحل (سعد زغلول) في شعبه قائلا: (كونوا وطنيين، وعلموا أبناءكم الوطنية، ولا تسمعوا قول الذين يقولون: اشتغلوا بدروسكم فقط.. ولا تشتغلوا بالوطنية. بل اجعلوا الوطنية، أساس أعمالكم، واقبلوا على علومكم، فحصلوها، فإننا محتاجون للعلم والعلماء، ولكن لا خير في العالم إذا لم يكن وطنياً).

fax: 027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved