رأي يطرحه بعض التربويين، والكتّاب، وبعض المشاركين في برامج حوارية إذاعية أو تلفازية، خلاصته ان التربية للأولاد هي التي تحميهم من الانحراف العقدي والفكري والأخلاقي الذي ينتشر في وسائل إعلام هذا العصر، ومراكز الترويح السياحي المنتشرة في معظم الدول، ويقصدون بالتربية التنشئة السليمة من قبل أولياء الأمور للشباب، وتعليمهم الخير ليواجهوا به الشر وتربيتهم على الصلاح ليواجهوا به الفساد، ويبالغ بعضهم فيقول: عليك ان تربّي أولادك تربية سليمة ثم اتركهم وشأنهم فسوف يواجهون مظاهر الانحراف بالرفض ماداموا قد نشأوا على الخير وتربّوا عليه، ويزيد بعض هؤلاء «المبالغين» في دور التربية الأمر جلاء فيقول أحدهم: إذا ربيّت أولادك على الخير فالقِ بهم في البحر ولا تخف.
وهنا نتساءل: هل هذا الرأي صحيح تربوياً، وهل تكفي التربية السليمة لحماية أولادنا ذكوراً وإناثاً من بريق الانحراف الذي يكاد يعمي الأبصار ويذهب بنور البصائر؟.
إنه سؤال مهم يحدّد لنا مشكلة الاعتماد على التربية وحدها لمواجهة مظاهر الانحراف في هذا الزمان.
الإجابة الصحيحة التي يقول بها معظم علماء التربية، وعلماء النفس، وقبلهم علماء الشريعة، ويؤكدها المصلحون والمفكرون هي: كلا، ان التربية السليمة وحدها غير كافية لمواجهة مظاهر الانحراف، بل لا بد من عمل ما يلزم من وضع حدود ومعالم لحرية الأولاد، ووضع إطار صحيح يحيط بالمواد الثقافية والإعلامية والتسويقية التي تبثها الوسائل المختلفة بغزارة وتركيز، ويعتقد هؤلاء اعتقاداً جازماً ان الذين يرون ان مسؤولية ولاة الأمر تقف عند حدِّ التوجيه والتربية السليمة لأولادهم، يجهلون أو يتجاهلون خفايا النفس البشرية، وما فيها من استعداد داخلي للتأثر السريع ببعض الأفكار والمظاهر المنحرفة تأثراً كبيراً أو صغيراً، فقد ثبت من خلال الدراسات التربوية العلمية ان كثيراً من الشباب الذين تمنحهم أسرهم حرية كاملة ينحرفون عن مسار التربية السليمة التي نشأوا عليها، وأنّ نسبة كبيرة من الذين ينحرفون يجاهرون بانحرافهم ولا يتوارون عن أهلهم وأولياء أمورهم، ولا يحاولون ان يتذكروا تعاليم التربية السليمة التي تلقّوها، وتبقى النسبة الأقل منهم ثابتة على المبادئ والقيم التي تربّوا عليها في أسرهم.
وهذا الرأي التربوي العلمي هو الرأي الصحيح المنسجم مع طبيعة النفس البشرية الأمّارة بالسوء، الموافق لما جاء به الشرع الإلهي الحكيم.
إنّ دقائق معدودات أمام مادة إعلامية منحرفة مغرية، يتجلّى فيها الفنّ الإعلامي المتقن، كفيلة حسب الإحصاءات بهدم ما بنته التربية الأسرية السليمة في شهور، أو سنوات..
إذن، فإنّ تلك الآراء التربوية المتطايرة كالشظايا عبر كثير من الوسائل الإعلامية التي لا ترى على الشباب خطراً من مظاهر الانحراف إذا كانت تربيتهم سليمة، إنّ تلك الآراء لا تستند على رأي علمي صحيح، ولا على دليل شرعي واضح، ولا على منطق وعقل، وإنما هي انفعالات تنطلق على ألسنة أناس مختلفي المستويات العلمية والثقافية، ومختلفي الاتجاهات الثقافية والفكرية.
إنّ تدريب الطفل على عدم الوقوع في حُفر الطريق مهم، قد يحول بينه وبين الوقوع في إحداها إلى حدّ معقول، ولكن الأهم من ذلك العمل الجاد على ردْم تلك الحفر،، لأنها ستظل ذات خطر محتمل الوقوع مهما درّبنا الطفل على تلافيها وبناءً على ذلك نقول: التربية السليمة تؤدي دوراً في مواجهة الانحراف، ولكن ذلك لا يعني ترك الحبل على الغارب بحجّة مراعاة الحرية الشخصية.
إشارة
أفرغت سمّها الأفاعي ونادت
في الضحايا بكرهها للسموم
|
|