Saturday 6th september,2003 11300العدد السبت 9 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أزمة المواجهة.! أزمة المواجهة.!
عبد العزيز السماري

تجاوز تناول نظرية الصدام الحضاري بين أمريكا والعالم الإسلامي البعد الأكاديمي في حلقات الحوار السياسي، حيث غدت واقعا ملموساً، يعيش الجميع في أجوائه بدون استثناء، فالمواجهة التي يطرحها الغرب الأمريكي فلسفياً منذ عقود، بدأت منذ فترة أهم فصولها على أرض الوطن العربي، وعلى جميع الأصعدة الثقافية والسياسية و«العسكرية»، فالغازي يطلب الآن بوضوح ان نتبع شروطه، وان نتحرى ما يراه مباحاً، ونتوقف عن الكلام فيما يعتقد أنه محرم،.. انها عقيدة الحادي عشر من سبتمبر، السياسية، والتي أصبحت تداعياتها تلامس شؤون حياتنا العامة والخاصة،.. ولم يدر في خلد كاتب محلي قبل التحولات الاخيرة ان يأتيه تحذير من ان هناك قلقاً «أمريكياً» من افكاره «اللاسامية»..، أو أن يصدر أمر رسمي لاغلاق مركز ثقافي عربي لا لسبب الا أنه استضاف شخصيات تختلف بوضوح مع الرأي «السامي»، فلم يعد يحق للحفاة العراة.. رعاة الجمل ان يشككوا في قداسة «التاج» وفي ما يفعله من عدوان على مرابعهم،.. ولم يعد لهم الحق في ان يدافعوا عن قيمهم الخالدة المتهمة بنشر الكراهية والحقد والضغينة!..
وعليهم ان أرادوا السلامة ان يلجأوا للسكينة في مهب الريح الأمريكي وان يتوقفوا حتى عن الهمس في الظلام، وينتظروا.. هدي اليوم الذي يأتي بخبر انقشاع الغيمة «الصهيونية» عن ديارهم.
والأيام القادمة ستبدي للجميع ان الضغوط الغربية على العرب لاصلاح الحال لم تكن إلا غلافاً جميلاً لمطالب خفية، وهي ان نلتزم بالآداب «السامية» وان نؤمن صدقاً أو نفاقاً ان «نقد» عقيدة اليهود والتشكيك بشرعية الكيان الإسرائيلي أمر لاسامي وعدوان بربري على الانسانية المتحضرة...
وفي نفس الوقت علينا ان نطهّر من اصول عقيدتنا الاسلامية ومن نظرياتنا السياسية العروبية والوطنية ما يخالف تلك الرؤية الضيقة للتاريخ في الشرق القديم، فالخلاف الماضوي المتأصل في الكتب المقدسة بين ابناء ابراهيم عليه السلام، لا يزال يسيطر على الرؤى الفلسفية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، فأي حرية وأي ليبرالية تلك التي يبشرون بها في مرابعنا العربية.. وأي سلام.. سنكون فيه «العبيد» للسيد الابيض، وأي منطق فلسفي سنصبح في فصوله.. الشر الهمجي المعادي للخير «السامي»..
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف تتشكل «اجتماعيا» اولويات المواجهة، فهل الإرجاء مثلاً والرضوخ فكرياً للمطالب الامريكية هو النهج النموذجي للهروب من تبعات المواجهة غير المتكافئة، ام ستكون الحال حسب المقولة الشهيرة «أنا ومن بعدي الطوفان»..!،
وان لم يكن كذلك!، فماهو التصرف الأمثل لمواجهة الاختراق «الفكري» الغربي والمأزوم بعقائده السياسية والدينية!،..
هذا اذا كنا بالفعل ندرك اننا نعيش الآن وسط أزمة غير عادية.
شرور ذلك الخطاب السياسي المتعصب بالتأكيد يجب ان لا تعمم عند الحديث عن حضارة امريكا، فما قدمه المهاجرون الى الارض الجديدة للبشرية من تقدم وتكنولوجيا حقيقة لن يغيرها سلوك سياسي مشين، والذي يظل له أثر في جل خطابات الساسة الامريكيين في الداخل والمجتمع السياسي الامريكي متطور حضارياً، وتحكمه قوانين إنسان وحقوق مدنية، وفعاليات شعبية مؤثرة، وهو منظم ويتمتع بحق حرية التنظيم والتأثير والمشاركة في صنع القرار، لكن عقل السياسي الامريكي لابد ان يعود لجذور ماضيه «التطهري»، وتسقط مبادئه الحضارية «المكتسبة» حين يتعامل مع دول العالم الثالث او العالم العربي والاسلامي على وجه التحديد، فالقضية حينها تخرج عن رقابة الفعاليات المدنية الداخلية، والناخب الامريكي لا يكترث كثيرا بما يحدث خارج الحدود اذا استقر دخله السنوي ووفت الحكومة بضماناتها الاجتماعية، ومن خلال تلك الطمأنينة «الاقتصادية» و«الاستقرار الاجتماعي».. يغيب الوعي السياسي للمواطن الامريكي عن ادراك مخاطر ما تفعله الحكومة الامريكية بالمستضعفين في الارض خارج حدودها..
والوعي السياسي هو بيت القصيد في الواقع العربي، وارتفاع معدلاته المختلفة هو المغذي الرئيسي لتيارات المواجهة، ويجب الاعتراف ان الانسان العربي كائن سياسي متمرد، يداوي آلامه ويزيل كدر همومه من خلال الاهتمام بما يحدث على الساحة السياسية، فهو يتابع ويحلل ويكوّن رأياً سياسياً عن كل حدث جديد، والوعي السياسي مهما كانت تشوهاته وحدة طرحه وتعدد ابعاده، وعنف نظرته للأحداث، هو نتيجة موضوعية للاحوال الاجتماعية وللخلفية الثقافية، فارتفاع معدلات عدم الرضا عن الواقع، والبطالة وانخفاض معدلات الرفاهية وغياب الضمان الاجتماعي تزيد من اهتماماته السياسية، كما تضيف الفروق الواضحة بين أصول النظرية ونتائج التطبيق السياسي لها بعد آخر من المأساة التي لا يستطيع الانسان العربي الهروب من ادراك حجم تناقضاتها، ولم تكن تلك الفجوة بين النظرية والتطبيق مجرد خصوصية اسلامية متوارثة، بل كانت ايضا سمة اكتسبتها التيارات العلمانية العروبية والقومية، وهو يخالف تماما ما يحدث في الغرب، فهناك يحرص السياسي «داخلياً» ان يلتزم بمبادئه وبرامجه الاقتصادية والسياسية المعلنة، بينما يفعل السياسي العربي ما يشاء ولا يلتزم بأصول النظرية السياسية المعلنة، وهو ما يثير سخط تيارات الوعي السياسي العربية، والتي تختلف نوعية وعيها السياسي من تيار إلى آخر، حيث تشكل عوامل التعليم والثقافة والمرجعية المعرفية كيفية التعبير عنها، فهناك من يجد في العنف تحت شعارات وحركات الجهاد ضد العدو الكافر السبيل الامثل في المواجهة، وبالتالي اخراجه من مأزقه الاجتماعي وتناقضاته الفكرية وشعور الهزيمة الحضارية، بينما آخرون يجدون في المطالبة بالاصلاح والتعددية والحقوق المدنية الخطوة الأهم في المواجهة، فاستقرار المجتمع هو خير وسيلة للدفاع ضد اي عدوان خارجي أو توتر داخلي.
وإلى أن يشاء الله، ستستمر المواجهة بكل أبعادها مع الخطاب السياسي الامريكي المحموم بشروطه الصعبة.. وفصول المواجهة معه حسب رأيي المتواضع يجب ان تبدأ من خلال مصارحة الذات اولا، والعمل على فك ألغاز تناقضاتها الظاهرة، وبالتالي اتخاذ الخطوات الضرورية والمؤلمة من اجل «الوطن» الذي يجب ان تنصهر فيه للأبد تراكمات الوعي السياسي المتمرد، وتتعانق في سبيل الحفاظ على مكتسباته.. أولوية الوطنية وهوية العروبة ومرجعية الاسلام.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved