Friday 5th september,2003 11299العدد الجمعة 8 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رياض الفكر رياض الفكر
الحلم.. بين الحلم والواقع
سلمان بن محمد العُمري

الحلم من صفات الرحمن عز وجل، والكمال اختص به رب العباد لنفسه، والعبد لديه من الصفات التي جبله الله عليها الكثير: منها الطيب النبيل ومنها القبيح، وبين هذا وذاك درجات لا تخفى على ذي بصيرة نواجهها في حياتنا اليومية وما تنطوي عليها من تطورات ومستجدات.
الحلم لا يخرج عن هذه القاعدة فمن الناس الحليم الذي فاق بحمله غيره، وتجاوز عن زلات غيره، وتنازل من أجل أن يغفر هفوات الآخرين، فرفقه بالناس مشهود به، وحبه للحنان والمودة والتصرف الحسن مع الآخرين صفة ملازمة له في حله وترحاله، في ليله ونهاره، فلا الغضب يصل إليه بسلالم، ولا الحقد يدانيه بمراكب، ولا الحماقات يرتكبها، وإنما هو الحليم الذي يتمتع بسيد الاخلاق كما يقال، فالحلم سيدها، ولم تطلق هذه العبارة من فراغ، بل هي تنم عن واقع، فالحلم منه تنطلق باقة الاخلاق الفواحة، فالحليم طيب، والحليم ودود، والحليم صادق، والحليم رفيق، والحليم صبور، والحليم طائع، والحليم مستغفر تواب، والحليم أكثر من هذا بطبيعة الحال.
إذن الحلم من الفضائل الإسلامية، ويكسب المرء مركزاً فكرياً واجتماعياً مرموقاً ويكون محط تقدير واحترام الآخرين بمختلف الفئات والمشارب.
اما على الطرف الآخر فيقبع ذاك الذي لا يعرف الا الغضب، وتصرفاته تشوبها التصرفات الطائشة، وسلوكه لا ينطوي على عقلانية، وكثيراً ما يقع في الظلم والتجبر والتكبر والطغيان، وقد يدفعه الأمر للوصول لحافة الكذب - والعياذ بالله - والمخاطر أكبر وأكثر، فكم أودى الغضب بحياة أناس، وكم ازهق من ارواح، وكم ادى بصاحبه لمواقف محرجة، وكم جعل الناس يعضون اصابعهم ندماً واسفاً، وكم.. وكم.. وكلها أحداث مريعة لا تليق بالإنسان العاقل السليم الذي يسير على الفطرة.
وبين هاتين الدرجتين كما ذكرنا درجات: فهناك من حلمه يفوق غضبه، وهناك العكس، وهناك من يغضب في السنة مرة وبعضهم في الشهر، وبعضهم في اليوم مرة او مرات، وهكذا فالناس حقيقة درجات، ويجب أن نعلم أن الإنسان يخضع الظروف والبيئة المحيطة به، فقد تجعل هذه البيئة، والناس من حوله الحليم غير حليم وتخرج عقله من رأسه كما يقال، وقد تكون على العكس مساعدة بحيث تجعل الغضبان حليماً رفيقاً ودوداً.
إننا نعايش العديد من البشر من حولنا، وكل منا يعرف شخصياً العديد من الأقارب والأصدقاء والزملاء الذين تبدلت أطوارهم بحكم الظروف المحيطة بهم، فدور المجتمع والبيئة لهما كبير الأثر في حياة الإنسان، فالإنسان ليس آلة جامدة ركبت على أن تكون بصفات معينة: بل هي خاضعة لقانون التأثر والتواصل، تأثر بما حولها، تعطي وتأخذ، تسوء وتتحسن، تجمل وتقبح، تكبر وتصغر، تلك هي النفس البشرية.
وفي كل الظروف فإن الله واحد لا ثاني له، يزيد الحليم حلماً، ويجعل الغضوب حليماً - بإذن الله - إنه الرجوع لله تعالى في كل الأحوال والظروف، يقول تعالى: والطمأنينة لا ينبع منها إلا الحلم، والفائز من استطاع الرجوع في لحظة غضبه إلى الله تعالى مستغفراً له متوكلاً عليه، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا».
وتلك الحقيقة التي تجعل الحلم واقعاً دائماً مستديماً، وبمقدار ما يحتوي المجتمع على أهل الحلم بقدر ما يعلو ذلك المجتمع في سلالم السعادة والحضارة..والله المستعان.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved