Friday 5th september,2003 11299العدد الجمعة 8 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأمن.. والإيمان «1-2» الأمن.. والإيمان «1-2»
د. محمد بن سعد الشويعر

هناك خصلتان متلازمتان، إحداهما تمكّن الأخرى، وتؤصّلها.. هما الأمن النفسيّ، والأمان الاجتماعي.. والأمم تسعى إليهما، وتبذل في سبيل توفيرهما، واستتبايهما جهداً ومالاً، وتخطيطاً ودراسة.. لكنهما قد خفّ ميزانهما عند كثير من الناس هذا الزمان فصاروا يروّعون ويرهبون فإن اتّحدا قويت الركيزة في المجتمع، واستتب الأمن، وشاعت الطمأنينة في كل بيئة توافرت فيها الأسباب المعينة على ذلك.. وإن افترقا بان الخلل بحسب زاوية الانفراج بينهما قوة وضعفاً، وتأثّر الوضع في المجتمع وبين الأفراد، وانتزع بذلك الأمن في الأوطان، والطمأنينة في المجتمعات.
إنهما الأمن الذي يأخذ من الأمم جهداً كبيراً، وأموالاً طائلة، علاوة على الدراسات وتكريس الأعداد الهائلة من الأجهزة والأفراد والمعدّات.. فهذا عمل اجتماعي يستنزف طاقات وقدرات. والإيمان: ما هو إلاّ عمل وجداني، منبعث من الأحاسيس، تؤصّله عقيدة مبعثها عامل ديني، يدفع النفس لأعمال ترضي البيئة وأهلها، ولا يطلب حامل هذه العقيدة مردوداً من المجتمع، وأفراده وإنما يطلب ذلك: جزاء من اللَّه، وأداء للأمانة التي تحمّلها بعمله وعلمه.
يبرز مثل هذا في قول مندوب ملك الروم، عندما جاء إلى المدينة المنورة، فكان يبحث عن قائد المسلمين، الخليفة الراشد: عمر بن الخطاب، رضي اللَّه عنه، في أمرٍ جاء من أجله، فوجده نائماً في المسجد، قد توسّد كومة من التراب، وأثّرت في وجهه.. فقال له: لقد حكمت فعدلت، فأمنت وفنمت يا عمر..، وما ذلك إلاّ لأن إيمان عمر قوي، وحريص جداً على أداء الأمانة، وتأمين الناس ومن المعلوم أن راحة النفس لا تكون إلاّ بالإيمان، ورخاء المجتمع لا يكون إلاّ بالأمان، فالأمان ثمرة من ثمار الإيمان، وحصيلة من حصائل العقيدة الصّافية.
ونفس لا إيمان فيها تبقى مضطربة، تتقاذفها الأهواء لأنها قلقة، ويحرّكها أصحاب النزعات، لأغراضهم الّتي تضرّ بالأمّة، لأنّها تائهة وغير مستقرّة، فتجسّم أمامها الأمور لتخاف من كل ما يتصوّر أمامها، حتى يسهل توجيهها لتنقاد بدون رويّة، ولا معرفة لماذا تساق..
وهذا ما يجب الاهتمام به أمام الشباب، حتى يعرّفوا بالأمر الحسن ليتّجهوا إليه، والأمر الضارّ، فيحذّروا من الأنسياق إليه، فهم أمانة أمام أولياء أمورهم ومعلميهم، وكل من لديه قدرة على التوجيه أما اضطراب النفس عندما يخفّ ميزان الإيمان من القلب، الذي هو الموجّه لأعمال البدن: لأنها في مهبّ الريح، فتتقاذفها التيّارات في البحر يميناً وشمالاً، حيث تموج بها تقلّبات البحر يمنة ويسرة وتميل مع العوامل المؤثّرة التي تطغى عليها، فهي لم تجد ما يرسّيها، أو يوصّلها لبر الأمان، لأن لكل نفس مصدراً تشريعيّاً في سلوكها، أو منهجاً عقديّاً في تصرفاتها، غير المصدر الذي أوجده اللَّه سبحانه للمؤمنين، وارتضاه سبحانه لعباده وبعث به رسله، فإنه لا يلبّي رغبة، ولا يريح نفساً، ولا يحقّق هدفاً ترضاه النّفوس الصّافية، أو يريح المجتمع من المشكلات والفوضى.
وقد جعل اللَّه مصدرين يسكّنان النفس من اضطرابها، لترتاح في مسيرتها، وتطمئنّ على حاضر أمرها، وأمن مجتمعها هما: كتاب اللَّه وسنّة رسوله صلى اللَّه عليه وسلم، فيجب الحرص على تمكينهما من قلوب الشباب فهماً وفكراً، وتطبيقاً ومنهج سلوك.. حتى تستقرّ قلوبهم، وتقوى الحصانة الفكريّة لديهم.
وأما كون النّفس تائهة، فإنّ من يسير بغير هدى، أو معرفة لشرع اللَّه، الذي شرع لعباده فإنّه كالمسافر في طريق لا يعرف اتجاهه، وهذا ما يجب بذل الجهد، حتى لا تتيه وتضيع أفكار في مسارب ضالّة، وطرق المسالك في العبادة والعقيدة، كالطرق الموصلة من مكان لمكان، فالذي يأخذ المعروف منها، بعلاماته وإرشاداته، فهذا هو الآمن الموصّل للهدف بطمأنينة، أما غيره من الطرق فإنها تؤدي إلى الضّياع، والاضطّراب النّفسيّ، حيث يسهل على الشابّ تأثير الأعداء فيه، وقيادته إلى الانحراف الفكري.. الذي به يضرّ نفسه ومجتمعه، ويتسبّب في فتح ثغرة على أمّته وبني جنسه.. حيث يجده الأعداء مطيّة سهلة الرّكوب، تحقّق مآربهم، دون أن يبرزوا في المواجهة لا هُمْ ولا أعوانهم. وللتّرابط بين الأمن والإيمان، فإنهما سويّاً من مادة أمن، وللأهمية لهذه الدّلالة، فإن هذه المادة ومشتقاتها قد جاءت في كتاب اللَّه الكريم، أكثر من ثمانمئة مرّة، مما يبرهن على الأهّمية في الدّلالة والحرص على العمل، ولما يوليه الإسلام من عناية في توجيه النّفس البشريّة، لما فيه المصلحة الفرديّة والجماعيّة، وهذا من الرّقابة الذّاتية، الّتي يحسن أن تكبر لدى الشباب خاصّة،، حتى يدركوا بهذا العلاج المريح للنّفس، من دون عقاقير ولا وصفات، فتطمئن النفس، ويأمن المجتمع.
من عناد بني إسرائيل:
* ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، ذلك أنّ بني إسرائيل لما أمروا بقتال العمالقة، نكلوا عن طاعة اللَّه ومتابعة رسول اللَّه موسى صلى اللَّه عليه وسلم، فحرّضهم رجلان للَّه عليهما نعمة عظيمة، وهما ممن يخاف اللَّه، ويخشى عقابه، وقيل لهما مهابة وموضع من الناس، ويقال: إنهما يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، كما قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم..لأنّ بني إسرائيل قد نكلوا عن الجهاد، وخالفوا أمر رسولهم موسى، وتخلّفوا عن مقاتلة الأعداء الذين أمروا بقتالهم، وقد عاقبهم اللَّه بتحريم الأرض المقدّسة عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض، فتاهوا في الأرض أربعين سنة، يصبحون كل يوم، ثم يسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل اللَّه عليهم الغمام، في التّيه وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وهذا قطعة من من حديث الفتون..
ثم كانت وفاة هارون عليه السلام ثم بعده بمدّة ثلاث سنين وفاة موسى الكليم عليه السلام، وأقام اللَّه عليهم يوشع بن نون عليه السلام نبياً، خليفة عن موسى بن عمران، ومات أكثر بني إسرائيل هناك في مدة التّيه، وقيل: لم يبق منهم أحد سوى يوشّع وكالب، فلما انقضت المدّة خرج يوشّع بمن بقي منهم، حيث مات الذين عاندوا في مدة التّيه، وكان معه الجيل الثّاني، فقصد بيت المقدّس فحاصرها فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر، فلما تضيّفت الشّمس للغروب، وخشي دخول السّبت عليهم، قال: إنكِ مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها عليّ، فحبسها اللَّه تعالى حتى فتح بيت المقدس، وأمر اللَّه يوشع أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدّس: أن يدخلوا بابها سجدا، وهم يقولون: حطّة أيّ حطّ عنّا ذنوبنا، فكان من عنادهم أن بدّلوا ما أمروا به ودخلوا يزحفون على أستاههم، وهم يقولون: حبّة في شعرة..«2:37».

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved