نعم لا استطيع أن اجحد تقصير شعرنا في التعبير عن «النزعة الانسانية» التي تقوم على القيم الانسانية المنتزعة من تجارب الناس، وعلى العلاقات التي تقوم بين الناس والطبيعة، حيث يجد اتباع النزعة الانسانية في هذه التجارب اصدق دليل على ما في الحياة من خير ومحبة وعلى مافي روح الانسان من طاقة خلاقة، لقد كان - هنالك - الشاعر الذي اعنيه يعني المستسلم الى الحياة، ويتغنى بها حين تجود عليه بمقعد تحت ظل شجرة وبشبابه يغني بها شعره، غير مفكر الا في ذاته.. وفيما يدور حول ذاته، ثم توسعت آفاق الشاعر حين دعاه الواجب الجماعي الى أن يسهم فيه كفرد من افراده، بل كقائد من قواده ولكن هذه المسؤولية لم تلبث أن تعقدت اليوم منذ توسعت مدى وغاية، لانها باتت مسئولية الانسان السامي المبدع امام الانسان السامي المبدع امام الانسانية التي تتضافر عندها ذاته.. وتفيق ازاءها قوميته، ولكن لماذا تنكر هذه الذاتية التي هي المحور الذي يدور حوله شعوره وتفكيره؟!
او ليس التفكير في مصير الانسانية هو التفكير نفسه في ذاتنا؟!
اذن، لا يسعنا الا الاعتراف بان رسالة الشاعر قد تبدلت عن مهمة الرسالة التي عاناها الاقدمون، تبدلا ينبع من طبيعة الحياة التي نحياها نحن الان، الحياة التي تورثنا القلق على كياننا كمخلوقات انسانية.. ولكن الامر لن ينتهي عند حد، لاننا بعد أن نخرج بكياننا هذا سنواجه الحياة التي حولنا دوامة الحياة التي تلفنا الى الاغوار ونحن منها كالجنين الذي يجابه الحياة، لكنه بعد أن ينقبها ليرى النور، سيعلم انه امام مسؤولية اكبر.. امام عالم جديد لمثل هذا القلق اجيب ان شعرنا الضحل العربي سيتجه قريبا، كما اتجه الشعر العالمي، من فحول الادب، وهو بتراثه الروحي العريق لابد أن يغذي الانسانية من جديد بروح السكينة والطمأنينة.
|