لا توجد حياة زوجية بلا خلافات، ومعظم هذه الخلافات يمكن تجاوزها والتغلب عليها، لكن أن تتفاقم هذه الخلافات وتصل إلى مرحلة الطلاق، أو تدفع الزوج رغماً عنه للبحث عن زوجة أخرى، فهذا يعني قصوراً في القدرة على حل هذه الخلافات التي قد تبدأ طبيعية، وتنتهي نهايات درامية لها عواقب وخيمة، تهدد استقرار الأسرة، ومستقبل الأبناء الذين قد يسقطون في دائرة من التشتت والضياع، تدفعهم إلى دوائر الانحراف والجريمة، بسبب غياب الأب أو الحرمان من حنان الأم.لكن كيف يمكن التغلب على مثل هذه الخلافات، وسد الطرق المؤدية إليها للوصول بالحياة الزوجية إلى بر الأمان، حتى لا يفكر الزوج أن يذهب للمحكمة مرة أخرى لطلاق زوجته، أو الزواج بغيرها، أو تضطر الزوجة إلى طلب الطلاق أو الفسخ من زوجها.
هذا ما يحدثنا عنه د. عزت عبد العظيم استشاري الطب النفسي والأعصاب بمستشفى الحمادي بالرياض، وفيما يلي نص اللقاء:
* بداية نسأل عن أسباب حدوث الخلافات الزوجية وتفاقمها في بعض الأحيان؟ وهل ثمة أسباب نفسية لذلك؟
- حدوث خلاف ما بين الزوج وزوجته أمر طبيعي ووارد في أحيان عديدة، وربما لأسباب صغيرة، وهذا النوع من الخلافات يسهل تجاوزه متى توافر الحرص على ذلك من كل من الزوج والزوجة، لكنها قد تتفاقم إذا لم يتم علاجها في بدايتها، وهناك أسباب عديدة لحدوث الخلافات الزوجية، منها: الضغوط والمشاكل الاجتماعية والنفسية لكل من الزوجين، فنجد الزوج مثلاً يعاني من مشاكل في العمل أو يمر بضائقة مالية، أو يعاني من الإرهاق الذهني أو البدني، مما يصيبه بحالات من التوتر والقلق والعصبية الزائدة، وربما الاكتئاب، ونفس الشيء بالنسبة للزوجة، خاصة في فترات الدورة الشهرية أو الحمل أو بعد الولادة، نتيجة للسهر ومتاعب الأطفال، وهناك حالات استثنائية لحدوث هذه الخلافات كأن تكون الزوجة ثرثارة، أو سليطة اللسان أو تتصف بالغيرة الزائدة، أو مبذرة كثيرة المطالب، أو ممن يبحثون عن الحزن والنكد، أو يكون الزوج بخيلاً مقتراً أو مستهتراً لا يراعي احتياجات زوجته ومشاعرها أو عصبي المزاج متسلطا عدواني الطباع أو لا يهتم بالجلوس مع زوجته لكثرة ما يخرج مع زملائه في سهرات خاصة وهكذا.
* هل ثمة آثار يمكن أن تترتب على استمرار مثل هذه الخلافات داخل نطاق الأسرة؟
- بالطبع فإن استمرار هذه الخلافات والمشاحنات يولِّد الكراهية والشقاق بين الزوجين وتتباعد المسافة بينهما، وغالباً ما ينتهي الأمر بالطلاق الفعلي، أو يمكن أن يسمى الطلاق العاطفي، وتولد شعور بالجفاء والحسرة لدى كل من الزوجين أو أحدهما، ولا شك أن ذلك يلقي بظلاله على الأبناء فيصابون بالإحباط أو الاكتئاب النفسي، ويتسبب ذلك في فشلهم دراسياً، والتشتت بين الأبوين، وغالباً ما ينتج عن ذلك اضطرابات سلوكية عدوانية كالكذب والسرقة والعنف وربما الانحراف إلى التدخين وتعاطي المخدرات وما إلى ذلك.
* ما هي سبل التخلص أو علاج المشاكل الزوجية قبل تفاقمها؟
- حتى لا تنتهي الحياة الزوجية بصورة مأساوية نتيجة لخلافات كان يمكن حلها ببساطة، يجب أن يدرك كل من الزوجين مسؤوليته تجاه الآخر وأسرته، وأن يعرف طبيعة دوره والسعي المخلص لتفهم وجهة نظر الطرف الآخر وأن يعرف أيضاً طبيعة شخصيته ومكامن السعادة لديه، كذلك الأشياء المثيرة لانفعاله، وقد يحتاج الأمر من كل من الزوجين تقديم بعض التنازلات البسيطة في محاولة تقريب وجهات النظر، والأهم من ذلك ألا يحاول أحد الزوجين إعادة تشكيل شخصية الطرف الآخر أو طباعه حسب هواه، لأنه يجب أن ندرك أن هناك اختلافات طبيعية في شخصيات وطبائع البشر، وهذا الاختلاف قد يكون في مصلحة الحياة الزوجية لتحقيق التكامل، وبما يتفق مع دور كل من الزوج والزوجة بالنسبة لبقية أفراد الأسرة، يتبقى بعد ذلك تضييق دائرة الخلاف، فيجب ألا يمتد ذلك خارج نطاق الأسرة، إلا في أحوال قليلة بدافع تقريب وجهات النظر والإصلاح بين الزوجين.
* ما الآثار النفسية الناتجة عن حدوث الطلاق؟
- لا شك أن صدمة الطلاق أشبه بزلزال يضرب الأسرة، ويصيبها بعدم الاستقرار والتشتت والضياع للزوجة والأبناء، لذا وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه «أبغض الحلال ، وما أكثر الانحرافات السلوكية والأمراض النفسية الناتجة عنه، التي تهدد بضياع مستقبل الأبناء نتيجة الإحباط، وفقدان الدفء الأسري، والمتابعة المزدوجة من الأبوين، أو سوء معاملة زوجة الأب أو زوج الأم لهم، كذلك ضعف كفاءة من يقوم على رعايتهم فيما بعد، ومثل هذا المناخ المفكك لا يأتي بخير، خاصة في ظل فقدان القدوة، فبعض الآباء المطلقين يعمل على تشويه صورة الأم في ذهن الأبناء، وكذلك تفعل بعض الأمهات المطلقات، وقد يتسبب هذا في إصابة الأبناء بعقدة الخوف أو كراهية الزواج ونفس الشيء بالنسبة للفتيات، كما أن الطلاق قد يصيب الزوجة بالاكتئاب، خاصة إذا لم يكن لها ذنب في حدوث الطلاق، أو أن تطليقها تم نتيجة نزوات للزوج أو الرغبة في الزواج بأخرى، ويعد الطلاق من أهم أسباب اكتئاب المطلقات نتيجة للقيود التي تفرض عليها أو اللوم الموجه إليها باعتبارها مسؤولة عن فشل العلاقة الزوجية، بالإضافة إلى متاعب تحمل مسؤولية الأبناء في ظل غياب الأب.
* كيف تنظرون إلى تعدد الزوجات.. إيجابياته وسلبياته؟
- الدين الإسلامي الحنيف عندما شرع التعدد قرنه بالقدرة على العدل، وبما يحقق الخير والفضيلة، ووضع ضوابط لهذا التعدد، لكن البعض قد يستغل ذلك الأمر بصورة مبالغ فيها دون مراعاة للظروف الإنسانية والاجتماعية والنفسية للزوجة والأبناء وله هو شخصياً، والتعدد قد يحل بعض المشاكل كأن تكون الزوجة عقيماً لا تلد، أو مريضة لا تفي باحتياجات زوجها وأسرتها، وبالتالي يكون الزواج من أخرى مفيداً، لدرء المفاسد والانحرافات الجنسية، لكن بالطبع فإن ثمة آثاراً نفسية تترتب على تعدد الزواج منها ما قد تعانيه الزوجة الأولى من اكتئاب وإحباط قد يمتد لأبنائها، وفشلهم في حياة كريمة مستقرة اجتماعياً ونفسياً، وكما أن الغيرة والحقد يعتصر قلب هذه الزوجة خاصة إذا كان الزوج لا يعدل ومنشغلاً عن أولاده وبيته، وفي بعض الحالات تتسابق الزوجات في الإنجاب لاحتلال مكانة أكبر في حيز الأسرة، وينتج عن ذلك ضعف مستوى الرعاية والاهتمام بهذا العدد الكبير من الأبناء.
* الغيرة بين الزوجين.. ما هي أسبابها ومتى تصل إلى حد الخطورة أو تهديد العلاقة الزوجية؟
- يجب أن نعلم أن الغيرة بين الزوجين إيجابية في حدودها المعقولة، وهي دليل على الحب والخوف على من نحب، ومعان أخرى سامية، والغيرة المعقولة مطلوبة بين الزوجين، ولها مواقفها ومتطلباتها المعينة، ولكن إذا زادت الغيرة عن الحدود المقبولة وأصبح يلازمها الشك في تصرفات شريك الحياة بصورة غير طبيعية فإن هذا يعني أننا دخلنا في نطاق الاضطرابات والمشاكل النفسية، وفي بعض الأحيان تكون غيرة الزوج على زوجته أو العكس وما يلازمها من شكوك وتصرفات لها من الأسباب والمبررات المنطقية أو ربما بدون أسباب أو مبررات، وتسمى الغيرة والشك المرضي، وهي نوع من الضلالات والشكوك والأوهام التي لا أساس لها من الصحة، وكلها أوهام، أو تصورات الخيانة الزوجية غير صحيحة في كثير من الأحوال، ولكنها أفكار خاطئة وتحول الحياة الزوجية إلى جحيم وسجن لا يطاق مع المشاجرات والخناقات الزوجية المستمرة، فمن لا يثق في الآخر يحاول مراقبته والتجسس عليه في كل صغيرة وكبيرة والتفتيش في متعلقاته الشخصية وتفسير تصرفاته وكلماته تفسيراً سلبياً وربما محاولة منعه من الخروج من المنزل، وهذا أمر خطير وخانق يزيد درجة التوتر والعصبية في المقابل مما قد يؤدي للعنف والقسوة وربما الضرب، مما سيؤدي لانهيار العلاقة الزوجية، والانفصال إذا لم يتم علاج هذه المشكلة لدى الطبيب النفسي لتقييم الحالة بصورة صحيحة ومساعدة الزوجين في حل هذه المشكلة لتعود الحياة الزوجية لوضعها الطبيعي، ومن هنا نؤكد أن الثقة بين الزوجين مهمة ومطلوبة وجرعات الغيرة الزائدة قد تكون قاتلة للحياة الزوجية.
* وكيف ترى تأثير الصداقات والعلاقات على الاستقرار الأسري؟
- الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فالعلاقات الاجتماعية والأسرية والصداقات مطلوبة وأساسية في حياة الناس، ولكن هناك نوعيات من العلاقات المريبة والصداقات المشبوهة التي قد تتم بين أحد الزوجين أو كليهما وطرف آخر، التي قد تؤثر على الاستقرار الأسري والنفسي للأسرة بالسلب، وخصوصاً إذا كان فيها خيانات زوجية وفتح المجال للمكالمات الهاتفية والمجاملات غير البريئة، التي قد تزرع بذور الفرقة والخلافات الزوجية وتكون مصدراً للغيرة والشك والصدود العاطفي، كل هذا قد يدمر الحياة الأسرية، ومن ثم فالثقة في العلاقات والصداقات الأسرية، مطلوبة ولكن يصاحبها الحيطة والحذر حفاظاً على القيم والمبادئ والاستقرار الأسري والاجتماعي والنفسي للزوجين والأبناء أيضاً، لأن هذه التصرفات قد تؤثِّر عليهم جميعاً.
* ما النصائح التي تقدمها لكل زوجين لضمان حياة مستقرة؟
- أهم ما أنصح به كل زوجين هو الالتزام بتعاليم الإسلام في كل تفاصيل العلاقة الزوجية، باعتبار الزواج سكناً ومودة ورحمة، وأن يعي كل من الزوجين طبيعة دوره في نطاق الأسرة وما له من حقوق، وما عليه من واجبات يجب أن يؤديها بحب وإخلاص وتفان، كذلك الابتعاد عن كل ما يضر بالعلاقة الزوجية أو يؤدي إلى تفاقم الخلافات البسيطة، كذلك عدم إظهار مثل هذه الخلافات أمام الأبناء، أو إطلاع أحد خارج نطاق الأسرة على وجود هذه الخلافات من غير الموثوق بهم، وأن تعي كل زوجة أنها الملاذ - بعد الله - لزوجها خاصة في الأزمات والشدائد، وأن دورها هو توفير كل سبل الراحة له، كما يجب على الرجل أن يتفهم الدور الكبير الذي تقوم به الزوجة وما تقدمه من تضحيات من أجل إسعاده وتربية أولاده، مع مراعاة أن ضغوط الحياة والتوتر قد يتسبب في حدوث خلافات طبيعية ولاسيما المرأة في فترات الدورة الشهرية والرجل عندما يتعرض لأزمة أو مشكلة في العمل أو مشاكل مادية، وهنا تكمن أهمية عدم المغالاة في متطلبات الزواج حتى لا يثقل كاهل الزوج بالديون التي قد تضر بالعلاقة الزوجية فيما بعد، خاصة أن المغالاة في متطلبات الزواج هي السبب الأهم في عزوف الشباب عن التفكير في تكوين أسرة، وبالتالي ارتفاع نسبة العنوسة وظهور الانحرافات التي يمكن تجنبها بتيسير الزواج، وأؤكد على أهمية التركيز على الجوانب الإيجابية في الآخر وغض الطرف عن الجوانب السلبية، وتحديث النفس بما يبعث على الشعور بالرضا عنه ومحبته وتقديره وما أجمل أن نلتزم كزوجين بما قاله رسول الرحمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -«لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر». فليؤد كل منا حقه لصاحبه وليتسامح في أخذ حقه منه.
ولكن ربما رغم كل ذلك فقد نجد بعض المشاكل والصراعات الأسرية التي تؤدي لحدوث القلق والتوتر والاكتئاب النفسي والعصبي أو ربما تكون هذه الاضطرابات النفسية أهم سبب في حدوث المشاكل الأسرية ومن هنا من الأفضل اللجوء للطبيب النفسي حتى تتحسن الحالة النفسية والتي ستؤدي بالفعل للاستقرار الأسري وهذا ليس عيباً أو انتقاصاً لأحد الزوجين أو كليهما حتى تستقر الأسرة وينعم المجتمع بالراحة والاستقرار.
|