* جازان - إبراهيم بكري - علي الراجحي:
صرخة استغاثة تطلقها اسرة ينهش الفقر جسدها.. الفقر شل حركتها وجفف منابع الحياة من اوردتها .. بلا مأوى ولا طعام ولا شراب.. اسرة عدد افرادها 12 فرداً لا تصوم شهر رمضان فقط بل تصوم طوال العام بسبب عدم القدرة على مواجهة ظروف المعيشة..
السكن غرفة واحدة مساحتها شبيه بضيق لحود القبور.. أطفال رضع حلمهم شرب الحليب.. اسرة علاقتها وطيدة بالعطش والجوع.. اسرة تخلت عنها الجمعيات الخيرية ورمتها خلف اسوار النسيان..
اسرة تطلق الصرخة الاخيرة عبر «الجزيرة» لتداعب قلب ذلك الانسان والامل الوحيد لانقاذها من حرب الفقر بأسلحة الجوع والعطش.
هذه القصة الانسانية ترصدها الجزيرة بكافة تفاصيلها التي تحتاج لوقفات انسانية تفاصيلها على ارض الواقع تعجز الكلمات والصورة ان تجسدها بكافة جوانبها التي تدمع العين من اجلها وهي ترى اسرة تعيش بلا حياة فقدت ابجديات الحياة الكريمة.
الجهة الجنوبية لمنطقة جازان تقع قرية ابو العرج، مسكن رجل امن يعمل بالحرس الوطني جندي فارس فدائي بسلاح الفرسان الفرقة الاولى بمنطقة الرياض يدعى شوعي علي محمد جبران مسعودي من مواليد 1371هـ يعمل لخدمة وطنه ومن اجل توفير لقمة العيش لأسرته بقرية ابو العرج بمنطقة جازان تتمتع اسرته بالحياة الكريمة ولا تعرف الفقر ولم تره.
هذه المقدمة الجميلة اصبحت الآن اطلالا من الماضي ونسفت من خريطة الحياة وعرفت هذه الأسرة الفقر ولم تره بل عاشت مرارته وقسوته نقطة تحول حياة الاسرة كانت قبل 24 عاما بمعنى آخر ان تاريخ مواليد الفقر في حياة هذه الاسرة عام 1400هـ عندما حلت الكارثة إثر حادث مروري شنيع لرب الاسرة خمسة كسور في الرجل اليمنى كسر باليد والطوق للجهة اليمنى يجبر رجل الامن شوعي المسعودي بملازمة فراش المرض لفترات طويلة ويفصل من عمله بحجة غيابه بدون عذر وعدم اخبار مرجعه بشأن الحادث في الوقت المناسب بعد ذلك فارق فراش المرض بدون اي دخل يلبي متطلبات الحياة وتبدأ دوامة الديون من الاقارب والاصدقاء وتمر السنوات بطيئة جدا على انفاس هذه الاسرة وتخنقها الحياة كل يوم اكثر من اليوم الذي قبله حياتهم تمر حالياً بمأزق خطير، ومنذ عامين والجمعيات الخيرية توعدهم بحل ازمتهم نفد صبرهم تعيش الاسرة المنكوبة على ضفاف مبلغ مالي قدره 5400 ريال طوال العام مصروف من الضمان الاجتماعي هذا المبلغ الضئيل لا يسد افواه المدينين، العام الدراسي على الابواب وعائلة المسعودي بلا دفاتر ولا اقلام ولا شنطة ولا مريال ولا ثوب ولا حذاء حياتهم التعليمية مهددة بالغرق في بحر الامية، محمد الابن الاصغر لهذه الاسرة عمره سنتان احلامه بسيطة مختلفة عن احلام الاطفال الآخرين لا يحلم بألعاب ولا هدايا بل يحلم بشربة حليب تسد ريقه وتطفئ العطش وتكبح مكامن الجوع. الجزيرة رصدت محمد وهو يشرب في رضاعته الشاي بدلا من الحليب الذي يعتبر غالي الثمن على هذه الاسرة، موقف آخر يجعل القلب ينزف بالاحزان شقيق محمد صاحب الخمس سنوات يبكي امام خزان الماء الفارغ وهو يقول اريد ماء اريد ماء لم اتمالك نفسي لهذا الموقف فأهديته علبة ماء كانت بيدي فأخذها بل انقض عليها بكل قوة ليشربها وكأنه لم يطعم في حياته ماءً محلى ليطفئ لهيب عطشه في تلك اللحظات واعتقد بأنه في هذا الوقت يتكرر نفس السيناريو ولكن بدون علبة ماء المحرر، موقف آخر فضولي اجبرني على معايشته دخلت المطبخ لارى نبضات الجوع في هذه الاسرة المحتاجة للطعام وكأن المطبخ لم توقد به النار منذ اشهر بل واجزم منذ سنوات فخرجت مسرعاً صوب غرفة البيت الوحيدة مساحتها لا تتجاوز مساحة لحود القبور ينام بداخلها 12 فرداً على الارض بلا كهرباء في اطراف الغرفة ملابس ممزقة يقال بأنها ملابس العام الدراسي الجديد.
حمام المنزل دخوله يعتبر مغامرة بكافة جوانبها الثعابين والحشرات والروائح الكريهة تستقر بداخله، الحمام بدون ماء ولا مرحاض يتم فيه قضاء الحاجة بطريقة بدائية انقرضت منذ عشرات السنين. الحياة بقوتها وقسوتها هشمت سيارة المسعودي من كل جانب وجعلتها طريحة الارض صوب مثواها الاخير لتبقى اطلالاً من الماضي وذكرى خالدة لميلاد الفقر في هذه الأسرة. الجزيرة غادرت منزل المسعودي ولسانه لم يهدأ من الدعاء ليصدمنا بموقف اخير بيده اليمنى يمسح زجاج سيارة المحرر وعينه تدمع وهو يقول ارجوكم اوصلوا صرختنا الاخيرة وانقذونا؟؟!!!
|