لعب نظام النقل العام الحضري الذي تطوّر في نهاية القرن الماضي دوراً في انتقال الطبقة الوسطى التي تسكن حول المدن، وقد تغيّر استعماله الآن إلى خدمة يستعملها بصورة أساسية فئات الدخل المنخفض.
لذا، فإن النقل العام يعتبر من عدة جوانب كمثال كلاسيكي عن السلعة الدنيا التي يهجرها المتنقلون عندما ترتفع دخولهم.
وعلى أيّ حال، فمن الصعب إجراء مقارنة مباشرة بين الخدمات السابقة والخدمات الحالية.
ولقد كان لتدخل المركبة الأثر البالغ على نظام النقل العام، لأنها أحدثت الازدحام وخفضت من كفاءة خدمات النقل العام.
مع ذلك، فإن النقل العام يعتبر الوسيلة الأساسية لنقل الركاب خلال أوقات الذروة.
ولو لم يكن النقل العام موجوداً في المدن الرئيسية لكان من الصعب معالجة التنقلات في ساعات الازدحام وربما يكون قد تطور نظام حضري مختلف كلية عما هو عليه الآن.
وبالرغم من الحاجة الكبيرة جداً لتوفير خدمات النقل العام لغرض مواجهة فترات الذروة، فإنّ النتيجة الطبيعية جداً لنمط الطلب تحدث مشاكل اقتصادية كبيرة للقائمين بعملية تنظيم حركة الحافلات. فهناك تباين كبير جداً في عدد الحافلات ومشغّليها المطلوبين في أوقات مختلفة من اليوم، وهذا يعني بأنه نظراً للحاجة إليهم لسد الطلب على خدمات النقل خلال فترات الذروة، فالحافلات ومشغلوها يكونون غير مستخدمين بصورة كاملة في معظم الوقت.
وبالتعبير الاقتصادي، ينبغي لمنظّمي حركة الحافلات جعل الأسعار المفروضة مساوية للتكاليف الجدية، الأمر الذي سيحقّق كفاءة اقتصادية، ففي فترات ذروة الطلب ينبغي للمنظمين فرض أجور تختلف عن تلك التي تفرض في الأوقات الأخرى، يعني فرض فقط تكلفة تشغيل الحافلة على المتنقلين في غير أوقات الذروة وتحميل كل تكاليف رأس المال على المتنقلين في فترات الذروة.
ومن الناحية العملية فإن الاتجاه يكون نحو توحيد الأجور المفروضة طوال اليوم، مما يؤدي إلى دعم حركة التنقل من الإيرادات المتحققة من المتنقلين الآخرين وهذه حقيقة مبنية على التجارب.
ثم ان التدهور في الطلب على النقل العام منذ فترة طويلة وممارسة السياسات الفعلية للأسعار من قبل المنظمين، قد زاد مشكلة النقل الحضري، فبدلاً من محاولة تقليل المشكلة المتعلقة بأوقات الذروة، فإنهم قاموا بتقديم تخفيضات في أسعار التذاكر الموسمية.
وقد شجّع هذا المسافرين للتحول من النقل الخاص إلى العام خلال فترات الذروة، وكان لهذا الإجراء تبريرات معقولة باعتبار الحافلة تستوعب خمسين راكباً وتتطلب مساحة طريق تتسع لسيارتين ونصف سيارة.
لكن من دون تحقيق صيغة مثلى للتنقل ككل فإنها تعتبر سياسة غير ملائمة. فينبغي فرض إضافة على النقل الخاص والعام خلال أوقات الذروة، لتشجيع التنقل في غير هذه الأوقات.
ختاماً أقول انه من دون وجود صيغة لتسعيرة الطريق فإنه لا يحتمل استخدام مفهوم الفروقات في أجور النقل خلال فترات الذروة من قبل السلطة الحضرية.
(*) المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|