Thursday 4th september,2003 11298العدد الخميس 7 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دوامة العنف في العراق وآفاق المستقبل دوامة العنف في العراق وآفاق المستقبل
د. محمد بن علي آل خريف

إن تصاعد العنف والقتل في العراق وفق المحاور الجديدة التي تستهدف بعض فئات الشعب العراقي ينذر بتطورات لا حدود لها، قد لا تقتصر على المحيط العراقي فحسب، بل قد تصل شظاياه إلى أبعد من ذلك خاصة على المدى البعيد إذا استمرت وتيرة الصراع في تزايد على النحو الحاصل الآن.
والغريب أنه رغم خطورة المرحلة التي تستوجب من دول الجوار العراقي رفع حالة الاستنفار إلى أقصى حد تحسباً لأي تطورات محتملة، ومحاولة السعي لمساندة الشعب العراقي في تخطي هذه البلوى التي تهدده بالفناء، تجد هذه الدول تقف موقف المتفرج واللا مبالي، ورغم الشعور بالقلق الذي يعتري هذه الدول من هذه الأحداث المتسارعة داخل العراق، إلا أنها لا تزال عاجزة عن تجسيد هذا القلق إلى فعل ايجابي يواجه هذه الأحداث وفق استراتيجية مناسبة، وباستثناء بعض التحركات الطارئة والمتعثرة للملمة الصف العربي المهترئ، فإن الوضع العربي والإسلامي يعيش في أردى أوضاعه من الضعف والتفرق، رغم الأخطار المحدقة به والتي تهدد بنيانه السياسي والحضاري، والتي تستوجب سرعة التلاحم والتنسيق بدلاً من الاختلاف الذي جعل كل فريق يغني على ليلاه، بانتظار الافتراس الفردي أو الجماعي.
ولنعد إلى الوضع العراقي الذي تتسارع فيه الأحداث بشكل يجعل المراقب يقف عاجزاً عن تحليل الأحداث وتفسير ابعادها وأهدافها نظراً لتسارعها وللضبابية والتأزم اللذين يعيشهما الوضع العراقي برمته.
إن العراق يجسد الفراغ الدستوري برمته وانعدام أدنى شكل من أشكال السلطة التي تحكمه مما أحدث فوضى عارمة تهدد كيانه بالتآكل بسبب الاحتراب الداخلي الذي بدأت نذره تلوح في الأفق نتيجة لهذه الأحداث المروعة التي يلفها الغموض، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الذي يهدد بإشعال نار الفتنة التي تختبئ تحت رماد داكن، ولا أخال أي حصيف إلا سيدرك أن وراء هذه الأحداث التي وقعت خاصة الأخيرة منها ابتداءً بتفجير مقر الأمم المتحدة وانتهاء بالتفجير الذي حصل في النجف يوم الجمعة الفائت، ما هي إلا أياد ماكرة مخطط لها بعناية لإشعال نار الفتنة الطائفية والاحتراب الداخلي بين قوى الشعب العراقي المختلفة من أجل إلهائها عن هدفها السامي والرئيس في إخراج المحتل من وطنها.
إن رهان قوى الاحتلال يعتمد على اضعاف الجبهة الداخلية العراقية وذلك بتشتيت جهودها في نزاعات ثنائية تستنزف طاقاتها في حين يخلو المجال للمحتل لتنفيذ مخططاته في السيطرة والاحتواء وتمكين العناصر الموالية له من تجذير قوتها في العراق، وما يلبث الشعب العراقي بعد أن يصحو وسط غبار المعركة الأهلية المتوقعة ألا وتلك القوى الغادرة قد سيطرت على مقاليد الأمور بشكل لم يعد بمقدور هذا الشعب المنهك التصدي له. إنه لمن السذاجة المتناهية أن بعض مثقفي الأمة لا يزالون يراوحون مكانهم في الحلم بتحقق وعود المحتل وكلما وقعت قارعة كبرى من قوارع الدهر حري بها أن توقظهم من رقدة العم سام التي خدرتهم ردحاً من الزمن ما يلبثون إلا أن يرتكسوا في لجة التزييف الإعلامي وقد لا يثير فزعهم الباطن وهذا حالهم إلا رجفة الموت المحيطة بكل نفس وحينها لا تنفع ساعة مندم.
إن العراق يزخر بقدرات عقلية وعلمية مؤهلة لإخراج العراق من هذا النفق المظلم الذي يريد أعداؤه بمكر ليل الإمعان في استكمال حلقات المؤامرة المتمثلة في تأجيج نار الصراعات الأهلية بين فئات الشعب العراقي الذي لا يزال يقاومها رغم عوامل الجذب التي تحركها الأيدي الخفية التي لا تسلم من خيوط المكر الصهيوني الذي ما فتئ يسعى جاهداً لإشعال نار الحروب والصراعات داخل الأمة الإسلامية وايقاد نارها بواسطة السذج والمغفلين والعملاء المنافقين المنتمين للأمة ظاهراً. وحري بالقوى العاقلة من الشعب العراقي أن تعي أطراف اللعبة وأبعادها وأن تصغي لصوت العقل والحكمة التي تستوجب الانتصار على الذات والتغلب على الأطماع الشخصية والفئوية في سبيل تحقيق المصلحة العليا للشعب العراقي ككل بتحقيق وحدة الصف والتغلب على الجراح من أجل تحقيق الهدف الأسمى بتحرير الوطن كهم أولي ومصيري.
وليعلم الجميع أنهم في الخسارة سواء حال استجابوا لمكر الأعداء الذين يلعبون على حبل التناقضات ويغذونها من أجل أن تتحول إلى لهيب بركان يحرق جميع الأطراف.
إن الوضع أخطر مما يتصوره عقل متفائل والأمة في وضع لا تحسد عليه من نزيف الدم الذي لم يتوقف جريانه منذ عقود لأسباب رخيصة وأهداف خاسرة لا تستحق قطرة دم تراق من أجلها. فلنكف عن النحيب والمكابرة في تجاهل الواقع المرير وها هي فلسطين القدس الشريف تئن تحت وطأة الظلم والطغيان الصهيوني الممدود بحبل من الدعم السري والعلني من قوى الاستكبار العالمي والأمة تتفرج لا تقوى على النطق فضلا عن أن تفكر في التحرك الفاعل.
إن التاريخ سيسجل صفحات سوداء ممهورة بدماء زكية لأبناء من هذه الأمة قضوا نحبهم تحت سياط الظلم البشري الطاغي بقوة المادة المتجردة من كل ما هو سماوي بعدما فقد العالم قوة الأمة الإسلامية التي تجمع بين الإيمان والمادة في تناغم عادل ينشر الحق والخير للبشرية جمعاء.
وصدق صاحب كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) رحمه الله والواقع يشهد على صحة عنوانه. ولكن مع ذلك فالأمل بالله يحدونا لفجر آن انبلاج نوره فلنرقبه بفعل إيجابي فعال فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
والله الموفق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved