هناك حيث يسرج الفجر خيوله الأصائل، وحيث تبوح برقة مشاعرها الجنادل، تلك التي تعرف الرِّقة واللين من أعماق التاريخ وسير الأوائل،
هناك في بلد السماحة والندى منذ كان حاتم الطائي يوقد ناره على قمة جبل «الموقدة» مستجلباً بها الأضياف، مطلقاً بها شعار السماحة والجود في جزيرة العرب المفعمة بالشيم والشَّمَم، والأريحية والكرم.
هناك في حائل كانت خيول الفجر تركض في ميادين الأمن الوارفة، وساحات المودة والإخاء الفسيحة، وتريني كيف يكون ركضها مميزاً.
مؤسسة الحرمين الخيرية «فرع منطقة حائل»، لجنة خدمة المجتمع، أشعرتني باتساع مجالات الخير، وتنوعها في هذه البلاد الغالية، وأعادت إليَّ ذكرياتٍ جميلةٍ لإبداعات العاملين في مجال الخير من الرجال والنساء الذين يبذلون أوقاتهم وجهودهم وأموالهم في زرع بذرة الخير في تربة العطاء التي لا ينقطع خصبها.
كانت الأمسية الشعرية بعنوان «خيول الفجر»، عنوان ذلك النص الإنشادي الذي انطلق من مهرجان الجنادرية العام الماضي، وهو نص أقدِّره تقديراً خاصاً لأنه يحمل خلاصة نظرتي إلى الكون والحياة والإنسان، وفق ما شرع الله من الخير لهذا الوجود ولساكنيه من بني الإنسان، وما سُخِّر لهم من جماد ونباتٍ وحيوان.
وإني لأشكر الاخوة الكرام في حائل على اختيار هذا العنوان الذي دلَّني عليه إحساسي بالفجر الساطع لديننا العظيم، ذلك الفجر الذي انبثق من وحي السماء، وبدأت دفقاته الأولى من غار حراء، واستمرت في صور متنوعة متناسقة من البذل والعطاء والتضحية والفداء، والمحجة البيضاء، التي تركها لنا سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
خيول الفجر في حائل جدَّدت معزوفة ركضها الجميل، وحملتني إلى المدينة المنورة حيث رأيت وفداً كبيراً من قبيلة طيّىء يرأسهم «زيد الخيل» بقامته الفارهة، ووجهه الوضيء ومعه «زُرُّ بنُ سَدُوس» و«مالك بن جبير» و«عامر بن جُوين» وغيرهم من رجال طيّىء، وقد أناخوا ركابهم عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلوا عليه وهو يخطب المسلمين على منبره الطاهر فلما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من خطبته وقف زيد الخيل وكان من أجمل الرجال جمالاً، وأكملهم خلقاً، وأطولهم قامة، وقال: يا محمد أشهد ألا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم من أنت؟، قال: أنا زيد الخيل بن مهلهل، فقال له الرسول: بل أنتَ «زَيْدُ الخير»، الحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك، ورقَّق قلبك للإسلام، ثم قال له: يا زيد ما وُصف لي رجل قط ثم رأيته إلا كان دون ما وُصف به إلا أنت، ثم قال يا زيد إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، قال: وما هما يا رسول الله؟، قال: الأَناةُ والحلم.
هكذا وصلتني خيول الفجر بهذا التاريخ المجيد، وذكرتني بهذا الطائيّ النبيل الكريم، وأوقفتني أمام هذه اللوحة البديعة، لوحة «الأَناة والحلم».
خيول الفجر في مدينة حائل نقلتني إلى الساحة الخارجية لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة حيث كانت سفَّانة بنت حاتم الطائي تقف بين السبايا ترقب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دنا قالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغابَ الوافد، فامنن عليَّ، منَّ الله عليك.
فقال: ومَنْ وافدك؟، قالت: عديُّ بن حاتم، فقال عليه الصلاة والسلام: الفارُّ من الله ورسوله، ثم أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث وأحسن إليها ورعى مكانة أبيها في ميادين الكرم قبل الإسلام.
ثم نقلتني خيول الفجر إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمامه عديُّ بن حاتم منبهراً بشخصية الحبيب المصطفى، فما جاوز مكانه حتى أسلم رضي الله عنه.في حائل كان لقاء الأدب والشعر مميزاً، فتحية إليها، وإلى سلسلة جبال أجا وسلمى، وإلى ماضيها المشرق وحاضرها المجيد.
إشارة:
هنا حائل التاريخ، يُنشد فجرها
نشيداً فصيح النور عَذْبَ التناغُم
|
|