عزيزتي الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حتى يكون الشخص منا مسكونا باوهام وتخيلات فانه يحاول ان يركب أياً من هذه الاوهام التي في نفسه عليها.. يحاول ان يلوي اعناق الكلمات لتصبح طوع لسانه ويده.. يحاول ان يكتب بكلتا يديه ماتوهمه صحيحاً.. يحاول اختلاق النجاح.. يوهم نفسه بأن رأيه هو الناجح وهو الصحيح.. يحاول بكل ما اوتي من قوة تصفية آراء الآخرين.. يبني في نفسه قصوراً من الاوهام.. حين يسفِّه رأي الآخر فقط لأنه ابدى رأياً فانه يشعر عند ذلك بنشوة النصر.. يظن ان ليس احد في الدنيا على صواب الا شخص واحد فقط.. هو «هو» نفسه..ومعذرة للمتنبي حيث قال:
ودع كل صوت غير صوتي فانني
انا الطائر المحكي والآخر الصدي
|
هذا هو الانسان وهذا هو ابن آدم الذي خلق هكذا لايرى رأياً الا رأيه هو الصحيح.. ولا يرى غير نفسه.. ولكن حين تكون مضطراً لايضاح الحقيقة
فليس ذلك الا هذا السبيل..
واذا لم يكن الا الأسنة ركب
فما حيلة المضطر الا ركوبها..
|
لقد تعجبت وملأني العجب.. حين قرأت تعقيب الاخ حمود عبدالعزيز المزيني في العدد «11289» على ما سبق ان كتبته عن اصل كلمة مهرجان قائلاً «وهم الاصالة.. اوصلنا الى مانحن عليه».. وعزا سعادته كل تخلف نحن فيه الى «الاصالة»..
وحتى الساعة تلك لم اعرف المقصود ب«وهم الاصالة» الذي اطلقه هذا الاخ على مقالتي.. وبدأ مقالته بأن ذكرني بأن تلك الكلمة فارسية نقلت الى العربية منذ اكثر من الف وثلاثمائة عام «لا ادري من اين جاء بهذا التاريخ» واحب ان اطمئن الاخ بانني اعرف ذلك.. وقد نقلت ان هذه الكلمة فارسية من احد قواميس اللغة العربية.. ولم اقل انها فارسية فقلت بالامس... وساق بيتاً من الشعر.. لم يذكر قائله ولا نعرف هل هو حديث ام قديم.. ولا ادري ايضاً ما المقصود ب«الدلالة البليغة على مضمون تلك البرامج والاحتفالات» من هذه الكلمة.. لا ادري اين البلاغة فيها.. اريد من الاخ ان يوضح لنا اكتشافه للبلاغة في هذه الكلمة التي عجزت القواميس ان تأتي بمثلها..!!
ثم جاءت الطامة الكبرى حين قال «فما هو موقفك من السندس والاستبرق وغيرهما من الكلمات الفارسية في القرآن الكريم؟ أقرى ان يتم حذفها من كتاب الله تعالى.. بهذه الحجة؟ حفاظاً على لغتنا وتقاليدنا..» يا سبحان الله.. انظروا كيف تلوى اعناق النصوص والكلمات.. هل يتصور الاخ الكريم انني من الغباء لهذه الدرجة بحيث انني لا اعرف ان هناك كلمات في القرآن الكريم اصلها فارسي.. واراد ان يخبرني بهذا الاكتشاف العظيم له.. ثم قال مرة اخرى «كلمة مهرجان الآن كلمة عربية وهي تعبر عما اطلقت عليه ابلغ تعبير» فاين البلاغة «مرة اخرى» ان كلمة مهرجان لامعنى لها في لغتنا العربية فهي ليست مصدراً لايمكن صرفها واين الفعل الصادرة منه.. إنها كلمة مكونة من مقطعين «مِهْرَ.. وجَان».. وليست بليغة بهذا القدر الذي أثنى عليها فيها اخونا وامتدحها..وكأن ليس هناك بديل لها.. نعم انني لا ازال على موقفي ومبدئي.. وهو ان هذه الكلمة ما دام انها تدل على «عيد من اعياد الفرس».. وانها كلمة مفرغة المضمون.. واول ما يتبادر الى سامعها من العرب.. الهرج والمرج واللهو وهذا ليس هو الهدف من برامجنا الصيفية واحتفالاتنا التي هي لقضاء اوقات الفراغ.
وأخيراً.. اتضح الهدف المغطى من هذا الموضوع حين قال بعد حديثه عن الرازي والخوارزمي «ولكننا نكصنا من بعدهم على اعقابنا جاعلين من الاصالة الموهومة والعادات و التقاليد درعاً واقياً يقينا من كل تقدم وتجديد.. فعدنا الى ماصرنا اليه» واقول اذا كان التقدم سيأتينا من كلمة «مهرجان» فلا بأس من اطلاقها بل ادعو الى اطلاق كلمة «مهرجان» على كل بقالة وكل مخبز.. وكل معرض للسيارات!! مشكلتنا اننا نتوهم ان التقدم والتجديد لايأتي الا من كلمة اجنبية.. حتى ولو كانت من اكثر شعوب الارض تخلفاً.. المهم انها كلمة اجنبية.. وسفسطائية المعنى.. ولا اعرف ما المقصود ب«الاصالة الموهومة».. وايضاً.. لا ادري ما علاقة العادات والتقاليد بكلمة «مهرجان».. لماذا تدخل عادات وتقاليد غيرنا ونقلدهم في عاداتهم و«مهرجاناتهم» وندع عاداتنا وتقاليدنا.. لماذا يحل لهم هم ان يحافظوا عليها.. وان «نقلدها ايضاً» وندع عاداتنا وتقاليدنا بدعوى التقدم.. هذا مجرد رأي وتعليق.. وقد يكون فهمي خاطئاً.. واستغفر الله واتوب اليه.. عن نقدي لكلمة «مهرجان».
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
|