* مكة المكرمة - الجزيرة:
دعت الامانة العامة للمجلس الاعلى العالمي للمساجد الى عقد الدورة القادمة في مكة المكرمة، في الفترة من 2 - 6 رجب 1424هـ، وكان مما درسه المجلس موضوع الغلو في الدين، وظهور الانحراف الفكري عند بعض شباب الامة، وما ينبغي ان يتواصى العلماء والائمة والخطباء على القيام به لمعالجة هذا الوباء الخطير.
واستشعارا بمسؤوليتهم امام الله، قرروا اصدار نداء مكة المكرمة، لمواجهة الفكر المنحرف، والتوجه به الى الأئمة والخطباء، ليؤدوا واجبهم، في ذلك حتى يؤدي المسجد رسالته العظيمة، والتي تتلخص فيما يلي:
* أداء الركن الثاني من اركان الاسلام، وهو الصلاة، كما شرع الله ورسوله، خالصة لله وحده.
* تعريف الناس بأحكام الاسلام، بعيدا عن الاهواء، وتأصيل صلة الانسان بربه، واحسان علاقته مع خلق الله، والسعي في منفعتهم: «خير الناس الى الله انفعهم للناس».
* اصلاح الناس، وبناء المجتمع وفق اسس من الوعي الناضج، والمعرفة الصحيحة لمبادئ الدين، ومن مقتضى الاصلاح محاربة الافساد في الارض بكل انواعه، وبيان جزائه العظيم في الدنيا والآخرة.
* اظهار ان رسالة الاسلام رسالة امن وسلام وتواصل وتعاون بين الناس على البر والتقوى، وبعد عن الظلم والعدوان، وان ذلك لا يتحقق الا بالايمان والعمل الصالح: {)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)
* ابراز ان رسالة الاسلام توجب العدل بين الناس، والاحسان اليهم، وتمنع البغي عليهم: {)إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)
وقد ادرك المجتمعون ان امة الاسلام تواجه تحديات داخلية كبرى، من ابرزها جهل بعض المسلمين بحقيقة الدين وسماحته وعدله، وقد ادى هذا الى تسلل الخلل الى اذهان بعض المسلمين في فهمهم لبعض النصوص الشرعية ومقاصدها، وذلك كبعض النصوص الواردة في الجهاد والولاء والبراء، والاخذ ببعض الفتاوى الشاذة المضللة، وكان من نتائج هذا الخلل الخطير ظهور فئات مغالية في الدين، ساقها الجهل الى تفريق الامة في دينها، وذلك من اخطر الفتن على المسلمين: {(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام:159)
وقد اساءت هذه الفئة من شباب الامة الى الاسلام، مما جعل اعداءه يجترئون على النيل منه، ومن نبيه صلى الله عليه وسلم، ويطعنون في كتاب الله الكريم، ويفترون على الاسلام، بأنه يشجع على التطرف والارهاب وإراقة الدماء.
ولذلك كله رأى اعضاء المجلس ضرورة ان تسهم المساجد في معالجة هذه الانحرافات، وتوجهوا الى الائمة والخطباء والدعاة في الامة الاسلامية بندائهم هذا، ليعطوا الاولوية للامور التالية:
أولا: معالجة الجهل بالدين، وتبصير المسلمين بحقيقته وجوهره، كما في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الامين صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يدرك الا بالعلم الشرعي الصحيح: {(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
ثانيا: ان الدعوة الى الاسلام دعوة تعتمد على بيان الحق، وفق وسائل يجب التقيد بها، وتبصير الاجيال بها، وتعريفهم بخطر الانحراف عنها: {)ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)
وان استعمال الرفق والحسنى في الخطاب والاعتدال بين الافراط والتفريط امور لازمة لمن يقوم بالدعوة: {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ } «آل عمران: 159».
ثالثا: ان رسالة الاسلام تتسم بالشمول والتكامل، وتراعي اولويات الناس، وحاجات الانسان، وهذا يستدعي من الائمة والخطباء والدعاة مراعاة ذلك في خطبهم ودروسهم، التي ينبغي ان تضبط مصطلحاتها بضوابط الشرع، التي سار عليها سلف الامة الصالح.
رابعا: ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر له آداب واحوال واعمال ذكرها العلماء في مصنفاتهم، ومن الواجب على الائمة والخطباء التعريف بذلك، وما يرتبط بها من ضوابط المناصحة الشرعية للناس ولولاة امرهم.
خامسا: ان الواجب التنسيق بين المنظمات الاسلامية وأئمة المساجد وخطبائها وتبادل الخبرة والمعلومات، حرصا على تحسين وسائل الدعوة بما يواجه مشكلات العصر، ومن ذلك التعاون في تخريج دعاة مؤهلين بالعلوم الشرعية، يدركون حاجات المجتمع ومشكلاته، ويتقيدون في خطبائهم الاسلامي بمصادر الاسلام الصحيحة واهدافه الانسانية.
سادسا: ان ظهور فئات تقتحم مجالات الفتوى بغير علم مما يوجب على العلماء القيام بواجبهم في التشاور وبيان الحكم الشرعي في كل ما يهم المسلمين، وعقد لقاءات لمناقشة القضايا المهمة التي تعرض للمسلمين، وإعطاء الرأي الصحيح فيها، ونشره بين الناس، مستندا الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يضيق مجال الآراء الفردية المتعارضة التي تسهم في الفوضى والقلق بين المسلمين.
واذ يصدر اعضاء المجلس الاعلى العالمي للمساجد هذا النداء فإنهم يتطلعون الى جهود العلماء، والخطباء والائمة في اصلاح وضع المسلمين الذي لن يصلح الا بما صلح به اولهم، اعتصاما بكتاب الله وسنة رسوله، ففيهما النجاة من كل هلكة: «تركت فيكم امرين لن تضلوا ابدا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه» رواه مالك في الموطأ.
ويسألون الله العلي القدير التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يعين الجميع على ما فيه خدمة الاسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
|