ربما تستدعي مشاركاتي في الصحافة.. أن أزود معلوماتي كل وقت بشيء من الجولات التي أقوم بها في مدن وقرى ومناطق المملكة.. فهي جولات تهدف إلى الاطلاع عن قرب عما يجري داخل هذه الأجزاء الغالية من وطننا.. بدلاً من الاكتفاء بما ينقل من معلومات خلال الاتصالات والرسائل.. ثم إنها أيضاً.. سفر وسياحة وتجول داخل هذه الأماكن الغالية من وطننا الكبير.
** إن أكثر ما يلفت النظر في هذه المدن والقرى.. هو ذلك التطور الكبير المذهل.. الذي حققته على كافة الأصعدة والمجالات والميادين.. فجميع هذه المدن والقرى.. تنعم بخدمات رائعة تتمناها عواصم أفريقية وآسيوية وفي أمريكا الجنوبية.. بل دول عربية.. فالخدمات كلها عُممت وشملت كل مرفق.. ويندر أن توجد قرية او مدينة لا توجد فيها شمولية كاملة للخدمات.
** قرى صغيرة جداً.. فيها مراكز صحية وهاتف ومدارس.. وبالتأكيد.. ماء وكهرباء وخدمات بلدية.
** غير أن ما يلفت نظرك في بعض المدن والقرى.. هو ذلك الشخص الأول المسمى «المحافظ او رئيس المركز» فهو.. إما شعلة نشاط وعملي وفاهم وواعٍ.. وكله خير وشهامة وكرم.
** وضده.. ذلك الانسان الغائب النائم.. الذي لا يهش ولا ينش.. ولا حتى «يْوَخِّر الذُّبَّانْ عن وجهه».. ولا يهمه شيء.. ولا يسأل عن شيء.. ولا يريد الحديث في شيء.. ويريد الامور هامدة جامدة نائمة.. بل ميتة.. ولا يريد حتى الحراك.. لأنه يزعجه..
** نعم.. هناك ضعف شديد.. وغياب لبعض المحافظين ورؤساء المراكز.. حتى أن بعضهم لا يعرف حتى الدوام اليومي.. فهو مشغول.. بالنوم.. أو بالتجارة.. أو بالمزارع.. او «بالخلفات» او في صيد «الدِّخَّلْ» و «الصْفاري» و«القميري» في مواسمها..
** تسأل عن المحافظ او رئيس المركز فيقال لك «أجودي.. كافٍ خيره وشره.. لا يعرف أحد.. ولا يعرفه أحد.. تدوره ما تلقاه».
** يداوم ساعة او ساعتين.. ويغيب شهراً او شهرين.. بل إن بعض المراكز.. تجد أخاه او خاله.. الذي يعمل مدرساً او موظفاً في مكان آخر او قطاع آخر او متسبباً او مزارعاً.. او سائق قلاب..
** تجده الذي يدير الامور.. وهو المسئول عن كل شيء.. وهو رئيس المركز الحقيقي.. والناس «تراجعه» و «العلم عنده».
** وأحياناً.. تسأل عن رئيس المركز، ويقال لك «حنا فاقدينه من شهرين.. ما ندري وين أرضه» وأسوأ من ذلك.. عندما يتحول رئيس المركز إلى مشاغب.. فهو من الصنف «الأقشر».. همه وهاجسه.. مشاغبة هذا وشكوى فلان.. والإضرار بعلان.. فتجده منذ الصباح وهو في البلدية والمحافظة.. والزراعة والشرطة.. والمحكمة..
** يطالب.. و«يقاشر».. ويشاغب ويشتكي هذا.. والآخر يشتكيه.. ويشعل القرية مشاغبات، ويشحن النفوس، ويوغر الصدور.. ويشعل الفتن.. ويجعل القرية او الهجرة احزاباً متناحرة لا تهدأ.. ويضع العداوات، ويزرع البغضاء..
** هناك بعض القرى والهجر.. كتبت لي تشتكي رئيس المركز وتقول: إن الشغب.. و«القشر».. والمشاكل هو مصدرها وحده.. وهذا الصنف بالطبع.. هو أسوأ من ذلك الصنف النائم الجامد الميت.. لأن ذلك النائم.. لا خير ولا شر.. او كما يقول المثل «دْوا جمعه.. لا ينفع ولا يضر».
** اما الثاني.. فهو شر محض يشعل القرية فتناً وخناقات وخصومات.. وليت أصحاب السمو امراء المناطق يفطنون لهذا الصنف.. الذي ترك عمله الاساسي.. وترك العمل والانجاز والبحث عن مشاريع ومنجزات.. إلى مشاكل وخصومات.. لأن تركيبته النفسية.. تركيبة مرضية.. فمثل هذا.. لا يصلح لشيء.. فكيف يوضع رئيس مركز؟!
** إن كل ما نطلبه.. هو إعادة النظر مجدداً في وضع هؤلاء.. بما يتناسب مع تلك النقلة النوعية الكبرى.. التي شهدتها البلاد على كافة الاصعدة.. بما فيها.. التطوير الاداري والتنظيمي والنظم.. فبعض هؤلاء.. لديه مشكلة شديدة حتى مع فك الحرف.. وبعضهم مشغول بما هو أبعد من منصبه.. وهناك من لا يعرف شيئاً عن البلد.. بل هو «مغلق»!! على نفسه.. لا يريد التحدث مع احد.. ولا يريد أن يتحدث معه أحد.. بل هو انعزالي انطوائي.. فهل يصلح هذا.. محافظاً او رئيس مركز؟!!..
بينما يفترض فيه أن يعرف كل صغيرة وكبيرة في البلد.. وهذا مع الأسف.. يغيب لدى البعض منهم.. ولا نقول كلهم.. بل بعضهم.
** وهناك من ليست له علاقة البتة.. بأي جهات او قطاعات اخرى.. بل منزوٍ في «مكتبه» هذا.. إذا حضر.. وما عدا ذلك.. لا يعرف شيئاً.. ولا يريد أن يعرف شيئاً.
** وبعضهم.. يفتقد كل الافتقاد إلى الحس الأمني ويترك «الدَّرعا ترعى» والانعكاس السلبي.. سيكون كبيراً.. وهكذا..
** إن المطلوب.. هو إعادة النظر في وضع هؤلاء.. فمصلحة البلاد فوق كل اعتبار.. وكفى مجاملات لهؤلاء.
** وإذا كان لابد من مجاملة بعض هؤلاء وتقدير اوضاعهم.. فالأفضل.. نقلهم الى قطاع آخر.. مثل.. إدارة المجاهدين.. ليؤدوا مهمات هناك تناسب ما لديهم من «معرفة» وإلمام. ويترك موقع المحافظ او المركز.. لمن يعرف شئون وشجون.. وتبعات ولوازم واحتياجات هذا العمل.. وخاصة في تلك الظروف الاستثنائية.. التي نمر بها.
|