إن الأرض التي شهدت نزول الدعوة وفيها الكعبة الشريفة والمسجد الحرام وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم عزيزة إلى قلب كل مسلم في مشارق الارض ومغاربها. والمسلمون في روسيا يشعرون بالسعادة البالغة لكونهم بعد انقشاع الغمة وذهاب فترة الالحاد الذي فرضه الحكم الشيوعي على البلاد يستطيعون اليوم السفر إلى المملكة العربية السعودية لزيارة الاماكن المقدسة واداء مناسك الحج والعمرة.
ومما لا ريب فيه أن الفضل الكبير في مجال صيانة الاماكن المقدسة وتوسعة الحرم الشريف والمسجد النبوي واعمال العمران الكبيرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة يعود إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي أمر بتوفير خير الظروف إلى الحجاج في روسيا والعالم أجمع. ونحن نبدي الشكر والامتنان الى جلالته بصورة خاصة حين مد يد المساعدة إلى المسلمين في روسيا في الاوقات العصيبة بالنسبة لهم.
ونحن المسلمين في روسيا نتطلع إلى إقامة تعاون أوثق بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية. ولابد من الاعتراف بأنها لا تتطور بالشكل المطلوب بالرغم من توفر امكانيات كبيرة لدى روسيا والمملكة، بيد انها لا تستغل مع الاسف من قبل الجانبين. وعملياً لا يتطور التعاون الاقتصادي، كما أن العلاقات الثقافية معدومة تماما. ونحن نتمنى أن تكون الصلات بيننا أكثر نشاطا.
واظن أن معوقات ذلك تكمن في وجود الرواسب القديمة من الافكار التي روجها الغرب والبلدان الواقعة تحت تأثير امريكا عن روسيا وعن الاسلام على حد سواء. ومعروف أن الغرب لم يكن يرغب في الحضور الروسي في الشرق الاوسط انطلاقاً من مصالحه الخاصة دون اعتبار لمصالح ابناء المنطقة.
حقا ان النفوذ الامريكي كبير في هذه المنطقة، وتريد القيادة الامريكية دعمه بالحضور العسكري ايضا، ونحن نعلم ان واشنطن تريد ان تكون علاقات الدول الاسلامية مع روسيا علاقات دبلوماسية عادية دون ان يشمل ذلك اقامة علاقات اقتصادية وتجارية قوية. وهذا بالذات ما يجلب الضرر الى مسلمي روسيا فالجمهوريات الاسلامية في روسيا تود صادقة في اقامة علاقات قوية مع المملكة على اساس المصلحة المتبادلة .
ماريا بشينيتنتشنيكوفا المعلقة السياسية لوكالة ايتار - تاس
تحاول روسيا والمملكة العربية السعودية التعويض عن الزمن الضائع بعد فترة اكثر من نصف قرن من انقطاع العلاقات بينهما وينبغي اليوم اجتياز طريق طويل في فترة قصيرة وبوتائر متسارعة والمضي في الظروف التاريخية الجديدة نحو التعاون الوثيق واكثر في مجال الاستثمارات والتجارة والاقتصاد.
ومعروف ان الاتحاد السوفيتي كان اول بلاد غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية في شباط/ فبراير عام 1926م.
لكن البعثة الدبلوماسية الروسية اغلقت ابوابها في عام 1938 بذريعة تقليص البعثات في الخارج. وجرت اول محاولة لاستعادة العلاقات في عام 1982م حين اقيمت «قناة اتصال» عبر لندن بمبادرة من الجانب السعودي من اجل تبادل الرسائل والمعلومات حول القضايا الدولية والاقليمية الحيوية، وفي عام 1990 فقط توصلت الرياض الى اتفاق بشأن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بصورة كامنة، وقد تطورت بنشاط على الاخص في الاعوام الثلاثة الماضية.
ويعتقد المراقبون ان تطوير العلاقات مع روسيا يرتبط قبل كل شيء بتنويع مسارات نهج السياسة الخارجية للمملكة التي كانت متجهة بلا مبرر على مدى فترة طويلة نحو الولايات المتحدة بصورة اساسية، والآن يروق للمملكة العربية السعودية ان تقيم علاقات متوازنة مع دول اكثر واعطي لروسيا فيها مكانة خاصة، وهذا بلا ريب نافع لكلا الجانبين.
وفي عام 2002م بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 7 ،66 مليون دولار، وقد تسنى تسوية قضية تسديد ديون روسيا الى المملكة العربية السعودية «250 مليون دولار» في اطار نادي لندن وتتطور العلاقات في مجال النفط والغاز الذي يعتبر من المجالات الواعدة اكثر من غيرها في التعاون بين البلدين. وهذا يمس قبل كل شيء الجهود في مجال استقرار سوق النفط العالمية. ومجال التعاون الآخر هو الفضاء.
وفي اطار الحوار السياسي تم التوصل الى اتفاق في الرأي بشأن الوضع في شمال القفقاس الذي ترك آثارا سلبية على العلاقات الثنائية خلال عدة سنوات. ويشير الخبراء في روسيا الى ان اجراء الاستفتاء في جمهورية الشيشان في اذار/ مارس عام 2003م قد قوبل بصورة ايجابية في المملكة العربية السعودية. ويمكن وصف مكافحة الارهاب الدولي احد الجوانب الهامة للتعاون الروسي - السعودي.
وثمة اعتقاد بأن زيارة سمو الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية الى روسيا المقررة في 2-4 ايلول/ سبتمبر ستكون حدثا تاريخيا في العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية - الدولة القيادية في العالم الاسلامي.
دكتور/ إلكسندر ياكوفليف
باحث بمعهد الاستشراق
موسكو
يعتبر شهر سبتمبر 2003م بداية مرحلة جديدة في تطور العلاقات الروسية - السعودية، إذ بدأ جلياً رغبة الطرفين في تفعيل العلاقات الثنائية، فزيارة سمو ولي العهد السعودي لموسكو تعد نقلة موضوعية واستراتيجية في علاقات البلدين، وبداية عملية للمشاركة الثنائية في القضايا الدولية والاقليمية الساخنة (عراقيا وفلسطينياً) إلى جانب المحور الاقتصادي المتمثل في التعاون في مجال صناعة النفط والغاز، والعمل المشترك لاستقرار السوق النفطية العالمية بما يحقق قبل كل شيء المصلحة الوطنية للبلدين.
وعلاقات البلدين وإن كانت جديدة في شكلها السياسي والاقتصادي، إلا أنها ذات تاريخ عميق، فالجزيرة العربية كانت دوماً تجذب اهتمام روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر لحماية مصالح رعاياها من المسلمين المتوجهين للحج، أما العلاقات الثنائية فقد بدأت بشكل حقيقي أواسط العشرينيات من القرن العشرين، ففي يناير 1926م وصل إلى المملكة تورياكوف السفير السوفيتي المطلق الصلاحيات وقدم أوراق اعتماده إلى الملك عبدالعزيز مع وثيقة اعتراف موسكو بدولته. وكان ذلك بمثابة دعم كبير من قبل دولة كبرى. وقد ثمن الملك عبدالعزيز بن سعود خطوة موسكو هذه. وبذلك ارسيت بداية العلاقات بين البلدين.
وعقدت في النصف الثاني من العشرينيات في مكة المكرمة مؤتمرات اسلامية عالمية شاركت فيها وفود تمثل عشرات ملايين المسلمين في روسيا وأسهمت في معالجة المشاكل الإسلامية العامة. وبالرغم من دعوات موسكو الاتحادية فقد كان يتوجه مئات المسلمين من تثارستان وبشكيروستان وجمهوريات اسيا الوسطى سنويا لأداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة.
كما تطورت العلاقات التجارية بين البلدين. وفي تلك الفترة جرت مقاطعة السلع السوفيتية في الأسواق الغربية، مما جعل التجارة مع بلدان الشرق تكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى موسكو، ونقلت أولى ارساليات السلع الروسية الى الجزيرة العربية في السفن التابعة للشركة الروسية - التركية «روسوتورك» في عام 1926 وجرى تسويق هذه السلع بنجاح، لكن هذه التجارة لقيت مقاومة شديدة من جانب التجار الانجليز والهنود الذين اعتادوا على كونهم يسيطرون تماما على أسواق شبه الجزيرة العربية.
وبذل تورياكوف وغيره من الدبلوماسيين السوفيت جهوداً كبيرة من أجل ازالة العقبات، وكانت احدى الخطوات الحاسمة في هذا السبيل الاتفاقية التي وقعها الأمير فيصل بن سعود نجل الملك مع رئيس الحكومة السوفيتية آنذاك فياتشيسلاف مولوتوف في عام 1932م. وحظيت بالاقبال في الاسواق السعودية السلع السوفيتية مثل السكر والكبريت والاخشاب والسماورات وكذلك الكيروسين، ولم يكن احد يعرف يومذاك ان المملكة تطفو فوق بحر في النفط، وأعقب ذلك اعداد معاهدة الصداقة بين البلدين لكن خصوم التقارب السوفيتي - السعودي فعلوا كل ما في وسعهم للحؤول دون توقيع هذه المعاهدة.
في أواخر الثلاثينيات أدى الوضع الداخلي في الاتحاد السوفيتي الى تدهور العلاقات مع المملكة العربية السعودية بصورة مفاجئة، وطالت حركة القمع السفير حليموف وعدة دبلوماسيين آخرين وأغلقت السفارة السوفيتية وتقلص عدد الحجاج القادمين الى الأراضي المقدسة الى أدنى عدد، وفي الواقع قطعت العلاقات بين البلدين.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية توطدت مواقع الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، لكن سيادة العامل الايديولوجي في السياسة الخارجية السوفيتية ورهان موسكو على الأنظمة ذات «التوجه الاشتراكي»، وكذلك الطابع الالحادي للدولة السوفيتية، ولد الريبة الشديدة في الرياض التي اتخذت واشنطن سنداً لها.
ونشأ وضع جديد بالنسبة الى تطور العلاقات الروسية - السعودية في أواسط التسعينيات وصارت نزعة الهيمنة على العالم المتأتية عن الروح الانانية لدى زعيمة العالم الغربي تثير مخاوف كثير من الدول، وعاد الطرفان الروسي والسعودي الى تفعيل الحوار بينهما بعد أن أدركت موسكو مجدداً أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لها، بينما فهمت الرياض الدور الجيوبوليتيكي الفعلي لروسيا التي دب فيها الضعف مؤقتاً.
واليوم يتعين علينا العمل بنشاط على بناء أساس جديد من أجل التعاون الاقتصادي والسياسي القائم على المنفعة المتبادلة من أجل أن تصبح العلاقات الروسية - السعودية فعالة وهامة بالنسبة الى كل بلد كما كانت الحال في عام 1926م.
|