أشرت في المقال السابق إلى الظاهرتين «المتضادتين» القديمتين المتجددتين.. وهما «التدين الغالي».. و «الإلحاد المعلن». في بعض ديار الإسلام.. وأن الغلو في الدين جاء رد فعل على الالحاد المستفز لمشاعر المسلمين.
هاتان الظاهرتان، جاسَتا خلال الديار العربية والاسلامية على مدى النصف الاخير من القرن الماضي.. بداية بكتاب جزائريين متفرنسين ومتشبعين بالثقافة الضدَيّة لما عليه اهل الجزائر المسلمون.. أمثال «كاتب ياسين» و «محمد أركون» و آخرين في كثير من البلاد العربية.
وقد تلاهم أو واكبهم.. ثلة من المثقفين المصريين والسوريين واللبنانيين الذين دعا بعضهم إلى التخلي عن الأديان.. كما عبَّر «ميخائيل نعيمة» بعد هزيمة 1967م.
***
وجاءت ردود الأفعال من الكتاب المسلمين الغُيُر على دينهم حامية صاخبة، بل طفح كيل غضبهم إلى حد الغلو الذي وصلوا إليه مما أخرجهم من الاسلام المتسامح المعتدل.. إلى أن يتبنوا مذهب الخوارج.. فكفَّروا علماء المسلمين وقادتهم وعامَّتهم.. واعتبروا أن المسلمين في هذا العصر يعيشون جاهلية جهلاء.!
وبنى هؤلاء التكفيريون رؤيتهم أو رؤاهم على ظواهر حساسة في أغلب البلاد العربية والاسلامية.. رأوا حيالها تقصيراً فاضحاً من القيادات التشريعية والتنفيذية لمجابهتها والحدِّ من استشرائها كعدم إقامة «الحدود الشرعية» عند تضافر وتوافر شروطها الحُكمية.. وعدم إعادة الحياة إلى واجب شرعي كاد يُنسى في كثير من بلاد الإسلام.. وهو «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».. الذي هو أحد واجبات الإسلام.. وأحد مقومات سلوكيات المجتمعات الفاضلة {(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) } وأنا لا أبرر.. ولا أبرئ أحد الطرفين.. وإنما أذكر السبب فحسب.
***
وإذا كان غُلاة المتشددين في مصر وقادة جماعة التكفير والهجرة قد تراجعوا أخيراً عن مواقفهم ومبادئهم التي خاضوها مع المجتمع المصري.. وأعلنوا في كتبهم التي أصدروها مؤخراً.. توبتهم وندمهم على ما اقترفوه من موبقات في حق الاسلام - فماذا ينتظر شبابنا المغرر بهم بعد أن رأوا ما صنعت أيديهم من الجرائم الوحشية التي سفكوا بها دماء مواطنيهم وإخوانهم المسلمين والذمّيين المعاهدين.. وفعلوا ما فعله اليهود بالفلسطينيين؟!
متى نراهم ونسمعهم يعلنون توبتهم وندمهم على ارتكاب الكبائر الموبقات في حق دينهم الذي شوهوا سمعته.. وأعطوا أعداءه مزيد الطعن فيه، بأنه دين عنف وقسوة.. ووحشية.. وحاشاه أن يكون كذلك؟ إن الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل.
ولعلَّ بيان سماحة المفتي العام.. الوافي الضافي. .يصل الى أيديهم.. وتقرؤه عيون «بصائرهم».. وتطمئن به قلوبهم.. من خلال الأدلة من الكتاب والسُنَّة التي أوردها على كثير من شُبَههم التي بها ضَلُّوا.. وبها أرهقوا الأمة وزرعوا في ربوعها الفتن الطائفية. .والخلافات الفكرية.. والنزعات القبلية.. والإقليمية.
وإذا لم يوثق بتوجيهات العلماء العاملين المعتدلين وتُحترم كفاءاتهم العلمية المرجعية ويُسمع ويُطاع للقادة المصلحين ولو بقدر المستطاع وإذا فُقدت روابط الأخوة الدينية والمواطنة الصالحة في المجتمع.. فإن الامة بذلك تفقد سمات الحياة الطبيعية الآمنة المستقرة.. ويومذاك يكون بطن الأرض خيراً للمسلم من ظهرها..!
***
وأعود لأذكِّر بأهمية وقيمة كلمة سماحة المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء العلاَّمة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وأنه يجب أن تترجم الى خطوات وفعاليات من أيسرها وأسهلها تنفيذاً ما يأتي:
* أن يُصار إلى إدخالها «الإنترنت» في عدد من المواقع المحترمة عالمياً.
* أن تترجم إلى اللغتين الانجليزية والفرنسية.. ليستفيد منها أكبر عدد من الناطقين بهاتين اللغتين.. خارج العالم العربي.
* أن يخصص سماحة المفتي ثلاث ساعات.. أو أكثر أو أقل - أسبوعياً - لأجود وأرقى ثلاث فضائيات.. تكون ساعة المقابلة فيها مفتوحة للسؤال والجواب.. بما يصحح المفاهيم الخاطئة ويدفع الشبهات التي يلصقها اعداء الاسلام بهذا الدين السماوي العظيم.
* أن تكون للمفتي ولهيئة كبار العلماء في المملكة مبادرات توجيهية «سبقيّة» لا ردود أفعال.. بعد وقوع ما يقع تنشر في الصحف وعلى المواقع «الإنترنتية» ثم تطبع في كتب تباع بأسعار التكلفة وتُهدى للمكتبات العامة والمراكز العلمية والثقافية في الداخل والخارج.
***
وقبل ختام مداخلتي هذه أود أن أشير الى نقطة دقيقة في فقهها وتفرد الشيخ بإعلانها في كلمته.. وهي قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتغيير المنكر ولم يأمر بإزالته.. والتغيير يُنظر فيه إلى قاعدة الشرع العامة.. وهي النظر في المصالح والمفاسد اجتماعاً وافتراقاً».
إن قليلاً من الناس من يفهم قضية التعامل مع هذا الواجب الاسلامي الفهم الواسع ويفقهه هذا الفقه الدقيق».
|