اغتنام فرصة ضعف الدول والعمل على فرض الخنوع وتكريس الحاجة للقوة العظمى هي استراتيجية أمريكية مدعومة بمكر اليهودية وأساطيلها المالية والإعلامية. ولذلك فلا إرهاب مهما كانت الخسائر لتحقيق هذا المعنى.
وللبسطاء فضلاً عن العلماء مفهوم الإرهاب لا يعتريه غموض فسفك الدماء وترويع الآمنين واحتلال الدول وقتل الأبرياء وتجميد أموال الفقراء كل هذه مظاهر لحقيقة الإرهاب الذي نراه بأم أعيننا حياً وعلى الهواء مباشرة. وهنا فليس من حاجة إلى براهين وأدلة لنفي أو حتى إثبات ما يراه الإنسان رأي العين.
إن كل عاقل مسلم أو كافر لا يقر قتل نفس بريئة أو هدم بيت على ساكنيه ذلك ان هذه مسلمة إنسانية وشريعة ربانية أتت بها تعاليم السماء أن {مّ )مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) } . ومن هنا فإقرار هذه الجريرة أو التسليم بها أو التغاضي عنها أو تبريرها يعني شيئاً أو انسلاخاً من كينونة الإنسان إلى عالم غاب الحيوان الذي يفترس من دونه بالقوة.
الكل يشعر بالوحدة أينما كان ضد محاربة الإرهاب لأن الإنسانية لا تعني شيئاً بلا أمن... ولكن المتابع للواقع يصاب بالحيرة حينما تكون أو يكون من يدعي الحرب على الإرهاب هو من يشوه معناه ويلبسّه على الناس حيث يقتل أو يقف في صف القاتل ثم يريد ان يتهم الضحايا إن حاولوا الهروب من المجزرة أو حتى تحريك أطرافهم لتخرج دماؤهم من أجسادهم ذلك أن الجزار يريد ان تقف الضحية بكل أدب وأن تحترم من يذكيها بسلام دون أن ترشفه بدمائها..
وهكذا تخلط الإدارة الأمريكية الأوراق على المحبين والمتخوفين والمتفرجين والناقدين وغيرهم من أصناف الناس. إننا جميعاً ضد قتل الأبرياء في ليبيريا وفي اندونيسيا وفي الرياض وفي أوكالاهوما سيتي ونضع أيدينا بأيدي المنادين لحقن الدماء البريئة.. ولكننا لا أقول نفاجأ بل مللنا يوماً بعد يوم رؤية مصارع الأبرياء على أيدي قوى راعية وداعمة للإرهاب .. وهي على الملأ ترفضه وفي اللحظة نفسها تمارسه .. بل أخيراً باسم محاربة الإرهاب تجمد أموال الفقراء والأرامل والأيتام!! عجباً ؟؟.. إذا تعالى يا راعية السلام واصرفي على المحتاجين.. بدلا من القتل والتدمير حتى ينسحب المعروف من رواد الخير إلى جناب إدارتكم !. إن هذه العنجهية وهذا التطاول الإرهابي على حقوق الناس يؤذن بنتائج غير متوقعة على الساحة العالمية يوماً بعد يوم.
إن من مخازي الإدارة العجيبة ان تقول وعلى لسان رئيسها قبل أيام ان المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي هي نوع من الإرهاب يجب اجتثاثه. ولا أدري بأي منطق يتحدث الرئيس ولا بأي منطق يمكن ان نفهم أو أن نستسيغ عباراته.
... كيف أفهم أنا البسيط ان من غزاني في بيتي وقتل أمي وأبي وعشيرتي ان مدافعتي إياه تعني أنني «إرهابي».. وان إحراقه لمقدرات بلادي وحمله السلاح أمامي واقتحامه بيتي ان هذا إطلاق للحريات وإفساح للديمقراطيات.
... إن من عجائب الأشياء ان تفوت هذه المعاني على قائدة الحرية والديمقراطية في عالمنا المعاصر. وللعاقل ان يتساءل عن الأسباب والعوامل التي تجعل الإنسان أو الإدارة ان تتعالى على الحقيقة وهي كالشمس واضحة... ما أحوجنا فعلا إلى تحليل سيكولوجية هذه النوعية من القيادة لنرى ما يدفعها للدمار في الوقت الذي تراه هي عماراً !!. وما الذي يؤثر في تصرفاتها وقراراتها ؟.ما الذي يدفع الناس أفراداً أو إدارات إلى إلقاء أنفسهم في الجحيم طوعاً لا كراهية؟.
... إن السنة الربانية تقول بأن الحقيقة يمكن أن «تجحد ولكنها لا تفقد» وهنا نتساءل في زمن لا أدري هل نجحد فيه الحقيقة ام نفقدها عن دور لدول مختلفة يمكن ان تعيد المركبة إلى مسارها الصحيح من أجل ألا يختلط مفهوم السلام بمفهوم الإرهاب ومفهوم التحرير بمفهوم الاحتلال.
إن تأملاً عاجلاً لنفسية المحتل الأمريكي يوحي بأن نوعاً من السادية قد أخذت عقله في بداية أمره شعوراً من ان ورود العراق سوف تسفر عن رياحين نفاذة يصل عمقها إلى جنبات بيته الأبيض ...
... ويبدو ان هذا الشعور قد تسيّد «من السادية» عقلية الإدارة فرأت أن مظاهر الدماء والأشلاء هي من محاسن أعمالها «زين لهم سوء أعمالهم» وبالتالي تباشروا بالتبريكات ونسوا في غمرة السكرة ان نفسية العربي لا تقل اعتزازاً عن نفسية الفيتنامي فما لبثت ثمالتهم إلا قليلاً حتى أعادت المقاومة الشرسة شيئاً من عقولهم إلى أماكنها فزعة تحاول اليوم الاستنجاد بقوى الأمم المتحدة لتعالج خلل موقفها المصر بالأمس على الاحتلال والمراوغ اليوم لطلب المساعدة على حفظ الأمن في العراق. ذلك ان التقارير تقول بتردي الأوضاع النفسية لجنود أمريكا فكلهم يشعر بأنه «ضحية» اليوم !!.. وازدياد المظاهرات والمناداة لإدارة الحرب في أمريكا «أن أعيدوا أبناءنا لنا»..
وإذا كان للقوي ان يفعل ما يريد في توظيف كل شيء لتمرير وتغليف أباطيله من خلال حقائق مصطنعة فان من العجيب ان تنطلي هذه على عقلاء بلاد مختلفة.
وللحقيقة نقول ان من نوادر شجاعة قادة عروبتنا ان يقولوا لقوات احتلال العراق «لا» للمساهمة في حفظ الأمن ذلك ان هذا في الواقع حفظ لماء وجه الاحتلال الذي يتقاطر خوفاً وهلعاً من فتنمة «من فيتنام» الساحة العراقية كل يوم بإرهاب المقاومة.
إن تسارع المشاهد ودراماتيكيتها في أرض العراق يعكسان فصولاً متعددة لدروس يمكن أن يفيد منها العرب والعجم في مآسي الظلم والاعتداء والتعالي من جهة وفي حقيقة من يقف ضد قوى الاحتلال ومن يخون البلاد والعباد من جهات أخرى.
إن من عجائب النكات في هذا السياق «ولا عجب لفاعله» ان يقر مجلس الأمن على قرار الاحتلال وذلك مأزق أمريكي ثم يعارض المستر الجلبي على أن المسألة تحرير لا احتلال !!
ومن هنا يبدو ان اختلاط مفهوم الإرهاب بالسلام والتحرير بالاحتلال لدى الرئيس المنتظر «الجلبي» يبرر طرحنا لإشكالية اختلاط المفاهيم الذي شوهته أمريكا فما جعلتنا نتفق على أن المحتل مدان ولا على أن القاتل مجرم ولا على أن المغتصب عدواني ولا على أن الإرهابي ممقوت..
... ذلك انها اليوم بل قبله وبعده تحتفي بالإرهابيين وتعينهم وأحياناً تورطهم !! في الوقت الذي تدين فيه من يحارب الإرهاب وتصك التقارير لتأكيد ذلك.
فكيف بالله نفهم وإياكم معنى الإرهاب وهل يمكن ان تطرح أمريكا رؤيتها لمثل ذلك أستطيع القول بأنني أقف متحدياً لذلك... ذلك أنها هي المسؤولة عن كثير مما يحدث في العالم من مشكلات قبل أي أحد. ولذلك فترك المفهوم عائماً وغامضاً يعين القائمين عليه على إداراته ورعايته كيفما شاءوا. وواجبنا اليوم كناصحين وقادرين وقياديين أن ننادي لمؤتمر محلي وإقليمي وعالمي يعالج حقيقة الإرهاب ويتفق على جماعية إدانته وفق صالح العالم كله لا مصالح أقويائه.
|