تركز الحديث في الحلقة السابقة من هذه القراءة على كلام المؤلف في الفصل الأول من كتابه عن تخطيط أمريكا لمحاربة العراق قبل اجتياح جيش صدام حسين للكويت بسنوات. أما الفصل الثاني من الكتاب فعنوانه:« المنازلة العسكرية وتثبيت السيطرة» الأمريكية. وقد أشار المؤلف إلى أن أمريكا بالغت في تصوير الجيش العراقي، عدداً وعدة وتدريباً، لتظهر لشعبها وللعالم خطره، وتبرر - بالتالي - كل ما يجهز لتحطيمه وتدمير البنية الأساسية المدنية التي هي ركيزة ضرورية لقوته. فعلت ذلك وهي تعلم كل العلم أن تلك المبالغة بعيدة عن الحقيقة. ودلل المؤلف على ما أشار إليه بأدلة واضحة. ثم تحدث عن الهجوم الجوي الذي قادته أمريكا - ومعها اتباعها بطبيعة الحال - ضد قوات صدام والبنية الأساسية للعراق.
وأورد ما قاله أحد مستشاري وزارة الدفاع البريطانية من أن ما ألقي في ذلك الهجوم من القنابل والمواد المتفجرة بأنواعها فاق ما ألقته قوات الحلفاء مجتمعة في الحرب العالمية الثانية. وكان من أسباب تكثيف ذلك الهجوم، وإطالة مدته الاطمئنان التام إلى شل حركة قوات صدام البرية قبل البدء بالهجوم البري على هذه القوات. وأشار المؤلف إلى أن العراقيين الذين قتلوا بالهجوم الجوي المكثف الطويل المدة تجاوز عددهم مئة ألف. ثم تحدث عن الهجوم البري الذي راح ضحيته أعداد لا تحصى من العراقيين.
وبعد ذلك تحدث المؤلف عن أسلحة الدمار الشامل التي استخدمتها أمريكا في محاربة العراق، مثل النابالم والقنابل العنقودية، كما تحدث عن عمليات اجتياح القوات الأمريكية وأتباعها - وإن كان تركيزه على الأمريكية - للقوات البرية العراقية التي لم يكن قد بقي لديها حول ولا طول في المقاومة، وعن كيفية إبادة هذه القوات التي كانت مشلولة الحركة، إرادة وتسليحاً. وفي حديثه هذا أشار إلى أن الإبادة الكبيرة التي قامت بها القوات الأمريكية لم تقتصر على العراقيين العسكريين، بل امتدت إلى مدنيين من عراقيين وغيرهم كانوا في طريق فرارهم من الكويت إلى العراق.
أما الفصل الثالث من كتاب رمزي كلارك فعنوانه: جرائم الحرب ضد المدنيين العراقيين». وقد بدأه بالإشارة إلى أن أمريكا أمطرت العراق بما يزيد على 500 ،88 طن من القنابل والمواد المتفجرة، وأن معظم هذه المواد كانت موجهة إلى الحياة المدنية المتمثلة في البنية الأساسية من اتصالات مدنية، وطرق مواصلات، ومحطات كهرباء، وتنقية مياه، وسدود، ومصافي نفط، وأن القصف كان شاملاً في المدن العراقية دون تمييز. ثم تحدث عن الحصار الذي ضرب على العراق باعتباره جريمة مستمرة ضد الإنسانية، وقدر أن من مات من المدنيين العراقيين نتيجة الحرب وما أعقبها من حصار على العراق خلال السنة الاولى فقط يزيد على 000 ،150 نفس.
واما الفصل الرابع من الكتاب فعنوانه:« سعي واشنطن المستمر للسيطرة على الشرق الأوسط». وقد استهله بالقول: إن أمريكا بسعيها لترسيخ وجودها العسكري في منطقة الخليج تهدف إلى فرض سياستها غير المنازعة في السيطرة على توجيه نفط الشرق الأوسط، وإن الحصار القاسي الذي فرضته على إيران الديمقراطية سنة 1951م وأدى إلى الإطاحة بحكومتها تقوم بمثله بعد أربعين سنة من ذلك التاريخ ضد العراق، وإن الرسميين الأمريكيين قد بدأوا التخطيط للإطاحة بصدام حسين منذ عام 1988م. وبعد أن تحدث المؤلف عن التعويضات التي فرض على العراق أن تدفعها انتقل إلى الحديث عن جهود أمريكا من أجل إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في الخليج، وقال: إن حرب الخليج أتاحت لها الفرصة لتحقيق ذلك، وإنها قد أنفقت - قبل تلك الحرب - 15% من مجموع ميزانيتها العسكرية للإعداد للتدخل في الشرق الأوسط. وإضافة إلى هذا فإن تلك الحرب زادت نسبة مبيعاتها من الأسلحة إلى دول المنطقة إلى درجة أن ثلثي الأسلحة التي اشترتها هذه الدول أصبحا من أمريكا وحدها.
وعنوان الفصل الخامس من كتاب رمزي كلارك:« الحرب ضد البيئة». وقد بين فيه تأثير الأسلحة الحديثة الفتاكة على البيئة من جوانبها المختلفة، كما أشار إلى تحذيرات عدد من الشخصيات العالمية من نتائج حرب الخليج على البيئة قبل نشوب تلك الحرب، وأن تلك التحذيرات كانت في محلها، إذ حدثت كارثة بيئية في المنطقة ربما بقيت آثارها السلبية مدة طويلة.
وجاء عنوان الفصل السادس من الكتاب:« الحرب وحقوق الإنسان». وفي بعض كلام المؤلف عن أوضاع دول الخليج - وبخاصة الكويت - قبل الحرب وتصرفات بعضها بعدها ما يبدو في حاجة إلى مزيد من التدقيق، ولا سيما ما يتصل بتعاملها مع العمال من غير أهلها. ثم انتقل إلى الحديث عن التمييز العنصري ضد العرب في أمريكا إلى درجة أن شركة خطوط بأن امريكا بدأت ترفض إركاب أي شخص يحمل اسماً عربيا. واختتم الفصل بالإشارة إلى أن 60% من الجنود الأمريكيين في حرب الخليج كانوا من الملونين، وأن أكثر البيض من أولئك الجنود كانوا من الفقراء. وذكر أن هناك من رفض الاشتراك في تلك الحرب على أساس اخلاقي، وقال: إن بعضاً من هؤلاء الرافضين يتفقون مع مارتن لوثر كنج في قوله: «إن أعظم مروج للعنف في العالم حكومتي أنا».
أما الفصل السابع من الكتاب فعنوانه:« دور الإعلام الأمريكي في أزمة الخليج». وقد استهله المؤلف بالإشارة الى أهمية الدور الذي أداه الإعلام الأمريكي عبر تاريخه، مشيراً إلى أنه كان داعياً للحرب، ابتداء من الحرب الاسبانية الأمريكية إلى حرب فيتنام. ولقد حاول التستر على مذبحة ماي لي، التي ارتكبت هناك، عدة شهور إلى أن اضطر إلى ذكرها. وذكر المؤلف موقف ذلك الإعلام المنحاز منه عندما ذهب إلى شمال فيتنام ليكتشف ما كان يجري، وتجاهله لما قام به عندما ذهب إلى جنوب افريقيا وهاجم الحكم العنصري فيها، وهو الحكم الذي كانت الإدارات الأمريكية تؤيده حتى قرب سقوطه. لكن لما بعثه الرئيس كارتر إلى إيران عقب مسألة السفارة فيها، سنة 1979م، سارعت وسائل الإعلام الأمريكية إلى مقابلاته - وبعد أن ذكر أمثلة متعددة من مواقف الإعلام الأمريكي الذي لم يلتزم بما تحتمه واجباته انتقل إلى الحديث عن موقف هذا الإعلام في حرب الخليج بالذات، وقال: إنه لم يعط الرأي العام صورة كاذبة عن مجريات الحرب او فشل في إخباره عما يجري بدقة فحسب، بل قام بحملة مكثفة لإقناعه بصحة موقف الحكومة الأمريكية من عنف وقسوة وبين الادعاء الكاذب بأنها - لمهارتها الفائقة - لا تصيب منشآت مدنية او سكاناً ابرياء. ثم ذكر المؤلف أن البنتاغون قد فرض نوعاً من الرقابة على أخبار الحرب بحيث لم تتمكن أجهزة الإعلام من التمتع بحريتها في هذا المجال وإن كانت أكثر هذه الأجهزة - على أي حال - كانت متضامنة مع الجهات الرسمية مشاركة لها في التستر على ما أرادت التستر عليه.
وعنوان الفصل الثامن من الكتاب:« خرق ميثاق الأمم المتحدة والدستور الأمريكي». وقد بيّن المؤلف فيه أن ذلك الميثاق وهذا الدستور فشلا في تحقيق اهدافهما، التي في طليعتها منع قيام الحرب وتحكيم القانون، وأنهما أصبحا أداة حرب في يد الإدارة الأمريكية، التي استخدمت قوتها، أيضاً، لتوجيه وسائل الإعلام لإقناع العالم بما أرادت إقناعه به من أمور لم تكن صحيحة، وبخاصة ما يتعلق بأسباب غزو جيش صدام للكويت. وأن تلك الإدارة تفادت إحالة القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة واقتصرت على إحالتها إلى مجلس الأمن الذي تتحكم فيه أكثر من تحكمها في تلك الجمعية. ولهذا فإنه يمكن القول: إنها أملت على مجلس الأمن ما أرادت أن يقرره.
وما ذكره المؤلف عن تحكم أمريكا بمجلس الأمن أمر يدركه كل دارس لتاريخ هذا المجلس منذ إنشاء هيئة الأمم المتحدة التي هو جزء منه.
وقد ازداد هذا التحكم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتفرد أمريكا شبه التام بتسيير الشؤون الدولية.
|