كان فريقنا قد قطع الآن ثمانمائة ميل من الصحراء من دمشق إلى القصيم من دون أي عائق على الرغم من الهواجس لافراد عقيل وغيرهم حول مسيرتنا ولقد ظننا بان من المعقول لنا ان نتوقع مواصلة رحلتنا فيما بعد في امن في هذه المناطق المأهولة كثيراً ولقد اصابتنا في الاحرى هزة حين سمعنا بان جميع الطرق عبر منطقة القصيم وعلى الاخص من قصيبة الى بريدة ليست آمنة بالنسبة إلى المسافرين بسبب الغارات الاخيرة التي قام بها بدو «العتوب» الذين كانوا قبل اسبوع مضى قد تصدوا لرئيس مدينة قصيبة نفسه وسلبوه كل ما كان معه.
ولم نحصل على أي رفيق من العتوب يسافر معنا ولذلك قررنا ان نغادر من دون ان نصحب أياً منهم وان نتسلق الكهف العالي خلف المدينة قبل ان تغرب الشمس حيث اختفينا مع ابلنا في احدى الفجوات الى ان حل الظلام لكي نتجنب أي فريق من البدو قد يكون يراقب وجود المسافرين الخارجين من المدينة وما ان اسدل الظلام سدوله حتى اندفعنا بسرعة عبر الصحراء الحجرية وقبل ان ينبلج الفجر بساعتين رقدنا إلى جانب ابلنا على مشارف مدينة العيون.
وتعرف هذه المدينة التي تضم اربعة آلاف من السكان باسم عيون القصيم ايضا تميزا لها عن عيون السر التي تقع على مسافة ابعد من الجنوب وتؤلف احدى المراحل على الطريق الرئيسي من حائل الى بريدة وكان أمير المدينة أو حاكمها اخا لصديقي صالح الذي هجر موطنه منذ سنين طويلة قبل ان يصبح فتى واذ كان صالح يركب جواده عبر المدينة حتى عرفته قلة من رجال مدينته فانتشرت انباء وصوله وتجمع حوله الاقارب من كل الاصناف والاجناس فاحاطوا به واذ ذاك اقتادونا بانتصار إلى بيت الأمير وهمس صالح في اذن اخيه بانني انجليزي وتلقى لقاء ذلك منه انذارات صادقة بان اقول بانني قد دخلت بصفة موصلي واذا كنت اتلقى في أي مكان احل فيه مجاملة ورقة نادرتين لانني رفيق اخ الحاكم وكانت تدار علينا اقداح القهوة في كل مقهى وكانت تطرح فيها مئات المرات ذات الاسئلة عن سفرتنا وعن انباء اهالي العيون الذين قد يوجدون في بغداد او دمشق واقيمت وليمة على شرفنا وفي خلال ذلك قدمت لنا كتلة من اللحم القوي فكدت اختنق اثناء تناولي منها الامر الذي جعل الافراد المجتمعين على المائدة والذين يبلغ عددهم خمسين يحدث احدهم الآخر عن المشقة التي يجابهها رجل متمدن مثلي ان اتناول طعامي بمثل طرقهم لانهم يرون اننا بطرقتنا الحضارية نستعمل الملعقة في حين انني الان اتناول طعامي باصابعي وليست لمدينة العيون اسوار وذلك بالاحرى يعتبر امراً استثنائياً في اواسط الجزيرة العربية ومهما بصفة خاصة في مدينة تقع على الحدود وهي تقع في حوض رملي وتحيط بها تلال حجرية واطئة من ثلاثة جوانب بينما تختفي بيوتها المشيدة من الطين بين بساتين النخيل والمزروعات ولكن ليس على مسافة ما منها كما هي الحالة عادة ويبدو ان سكانها اصحاب عقول أكثر اتساعا وحبا للأعمال التجارية والسفر وان المجتمع القائم فيها سعيد جداً.
ولقد صممت ان اواصل مسيرتي نحو الجنوب على امتداد الطريق الغربي خلال «الرس» وباتجاه الغرب إلى القصيم عبر مناطق لم ير القسم الاعظم منها احداً من الاوروبيين ثم عزمنا انا وصالح على ان نغادر الى بريدة التي تبعد مسافة ثمانية وعشرين ميلا عن مدينة العيون وقطعنا طريقا تتناثر فيه قرى قليلة وبساتين للنخيل تبرز درجة متغيرة من الخصب واذا اقتربنا من بريدة اجتزنا صحراء ذات كثبان من الرمل الابيض واخيرا واذ اقترب المساء بانت لنا المدينة المسورة ذاتها على حين غرة وكأنها قد هبطت من السحاب في هذه المتاهة.
ان القادم من جهة الشمال والشرق لا يرى اية بساتين للنخيل وانما كتلة صلبة من بيوت مربعة الشكل محاطة بسور عالٍ يكون واضحا وينتصب باب خشبي ينفتح على بواية مرتفعة في السور ولقد دخلنا هذه البوابة واجتزنا فضاء واسعا منبسطا.
وانخنا ابلنا عند باب منزل الأمير ابن معمر وهو رجل من الرياض عين حاكما من لدن ابن سعود وسرعان ما تجمع حولنا عدد من العبيد المسلحين في القلعة ولقد علمت منهم لخيبتي ان ابن سعود قد غادر ذلك الصباح عائدا إلى الرياض.
يتبع
|