شدو
صراخ المفارقات
د. فارس محمد الغزي

الإنسان مجموعة من المفارقات الصارخة تناقضا من ضمنها ما يتمثل في انه كلما ارتفع معدل اختراعاته الايجابية ازداد في المقابل معدل اختراعه للضد او النقيض السلبي. ان الانسان لا يفتأ يجدّ عبر تطوره التاريخي في سبيل اختراع ما يسهل عليه امور عيشه غير انه من الناحية الاخرى يبذل من الجهد غايته لتخليق الضد السلبي لمخترعه الايجابي. ومجمل اسباب ذلك يكمن في ان الغريزة الانسانية مفطورة ازليا على النكوص الى الخلف عشقا للضد وهياما بالنقيض. ويدخل ضمن اطراف هذه المعادلة الغرائزية انقسام الانسان على ذاته: فقسم منه يذب عنه في مسارح غرائز البقاء، وقسم آخر يخوض فيه غمار حروب غرائز الشر والعدوان.
حقا انها بقليل من التمعن حالة في غاية العجب، غير انه عجب لا يبطله سوى حقيقة ان طرفه الآخر ليس الا الانسان، فبسبب هذا الانسان تبدو الحياة الانسانية قطبية مقطبة الجبين: قطب للضد هنا وقطب لضد الضد هناك، فتقدم هذا الانسان طبيا على سبيل المثال ليس له اي معنى في ظل تواتر تقدمه المميت - الى الخلف - في مجالات تقنية الموت من الاسلحة التي ان لم تقتل برصاصاتها جسده فتكت به تلوثا واشعاعا. بل اين ما يروي العطش في ضوء ديدن الانسان الذي ما ان يخترع - تقدما - ما يحول الماء الاجاج الى زلال يزيل الغصة تجده يسارع فيخترع - تخلفا - ما يجعله يغص بالماء ذاته على نحو لا يمثله سوى قول من قال: