تقول آخر الأخبار: (إن وفد مجلس الحكم الانتقالي العراقي طلب خلال الجولة التي قام بها إلى بعض دول مجلس التعاون الخليجي انضمام العراق إلى المجلس).
وفي تقديري ان انضمام «العراق الجديد» إلى مجلس التعاون هو بكل المقاييس إثراء للمجلس، وتقوية له، وترسيخ لمكانته على المستوى الإقليمي والعالمي.
وفي الوقت ذاته يثبت أن مجلس التعاون كمنظمة إقليمية، هي أهم المنظمات العربية التي استطاعت خلال مسيرتها أن تحقق من النجاحات ما جعل اليمن يلحُّ على الانضام إلى المجلس، وها هو العراق الآن، وهو يتطلع إلى مرحلة ما بعد صدام، أو ما بعد تاريخ الحروب والمقابر الجماعية، يرغب في أن يبدأ انطلاقته التغيرية من تحت قبة هذا المجلس.
العراق من الناحية الجغرافية يطل على الخليج كما أنه يعتبر امتداداً بريّاً متواصلاً لدول مجلس التعاون، ناهيك عن التماثل القبلي والثقافي الذي يربط سواد شعب العراق بشعوب دول المجلس، وهو الآن أو بصورة أدق كما نتوقع أن يكون سيخرج حتماً من تلك الايديولوجية الديماغوجية للعصر السابق، والتي كانت تنطلق إلى ما يجب أن يكون متجاوزة ما هو كائن، أو بصورة أدق من مرحلة «الشعارات» إلى مرحلة العمل السياسي الواقعي والهادئ الذي لا يتجاوز الحقائق على الأرض بقدر ما يسعى إلى تذليل العقبات مرحلياً أملاً في تحقيق الأهداف كغاية نهائية، هذا ما نلمحه منذ الآن في العصر العراقي الجديد.
وفي المقابل فإن هذه «الواقعية» في العمل السياسي هي إحدى أهم الأسس المفصلية التي قادت مجلس التعاون إلى تحقيق الكثير من الإنجازات التي أخفق في تحقيقها الكثير من المجالس الإقليمية العربية.. وكان خلاف عراق صدام مع دول مجلس التعاون ليس من حيث الشكل والتوجه السياسي والاقتصادي فحسب وإنما من حيث المضامين الأيديولوجية أيضاً، الأمر الذي كان سيجعل من انضمامه إلى هذه المنظمة- فيما لو حدث- أمراً كفيلاً بإلحاقها إلى قائمة ضحايا مقابره الجماعية سيئة الذكر.
أما الآن فيبدو أن العراق والعراقيين قد استوعبوا درس مرحلة صدام جيداً، وأن التغير خيار لا رجعة عنه، وهذا التغير المتوقع كفيل في رأيي بتأهيل «العراق الجديد» لأن يكون عضواً فاعلاً في المجلس ومنسجماً مع توجهات الدول المؤسسة، وسيفيد بقدر ما سوف يستفيد، وسيعطي بقدر ما سيأخذ، وهذه في تقديري هي المعادلة التي يجب توفرها في أعضاء المجالس التعاونية الإقليمية كأساس من أسس نجاحها كما علمتنا التجربة.
وأهم ما يملكه العراق، ولا يتوفر في المقابل لدى (جميع) دول المجلس بقدر كافٍ ومطمئن هو (الماء) وكما نعلم فإن هذه «السلعة» التي لا حياة للبشر من دونها والتي تتزايد ندرتها وتلحُّ حاجتها مع مرور الوقت هي ما يمكن أن تكون بمثابة «الميزة الذاتية» التي يتمتع بها العراق عن بقية دول المجلس، الأمر الذي سيجعل من انضمام العراق إلى المنظومة الخليجية من شأنه أن يكون عاملاً تكاملياً غاية في الأهمية، ولا سيما أن كل التوقعات ترشح أن تكون صراعات المستقبل في العقود القادمة على الموارد المائية على وجه التحديد.
ربما أن هناك من يتحفظ على قبول العراق في المجلس بحكومة غير منتخبة خشية من أن يكون لدى الحكومة المنتخبة رأي آخر، يختلف عن رأي المجلس الحالي.
وهذا تخوف قد يكون له ما يبرره في الوقت الحاضر، لاسيما والعراق الآن تحت الاحتلال.
غير أن من المهم والمفيد بالنسبة لحكومات دول مجلس التعاون في رأيي أن يفتحوا صدورهم لمثل هذه الاتجاهات، وأن يسعوا إلى الترحيب بها، وتهيئة المناخ والعمل من أجل تحقيقها سواء في ظل الحكومة المرتقب تشكيلها، أو التريث حتى الحكومة التي سيفرزها الدستور الجديد الذي يعمل العراقيون على إنجازه فنحن في حاجة إلى العراق والعراقيين، مثلما أنهم في المقابل في حاجة إلينا.
هذا ما تقوله الجغرافيا، والتاريخ، والمصالح الحيوية المشتركة.
|