Sunday 31th august,2003 11294العدد الأحد 3 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كان (حُلماً) من خَيالٍ.. ف (هَوَى)..؟! كان (حُلماً) من خَيالٍ.. ف (هَوَى)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

* ما إن هلّ علينا شهر (أوقست)؛ الذي يسميه أهل الغرب (Hotest)؛ لشدة الحرارة فيه؛ حتى شعرت بميل كبير نحو الراحة والاستجمام؛ على نحو ما؛ وصادف ذلك محادثة لي مع أبي بشار؛ الذي هو رئيس (الكتبة) في هذه الصحيفة؛ فطلبت منه تلك الفرصة (الحلم)؛ فأجابني مشكوراً؛ على أن تكون (استراحة قلم) لا غير.
* في اليوم الأول من شهر (الهوتست) هذا؛ رحت أبرمج وأخطط؛ وكنت عازماً على ترك أمر الكتابة وما يكتبون؛ والالتفات بعزيمة وجد؛ إلى أمر القراءة وما يقرءون؛ فما هي إلا أيام قلائل؛ حتى تيقنت؛ أن كافة ما برمجت أو خططت؛ إنما هو إجراء ورقي لا غير..! حتى الرحلة التي نظمتها إلى قريتي الحضرية، ومسقط رأسي؛ أعادتني إلى نقطة الصفر منذ الوهلة الأولى؛ فقد فوجئت أن الناس غير الناس؛ وأن الأرض غير الأرض؛ والحجارة غير الحجارة؛ والأشجار غيرالأشجار حتى شجرة (العُنْقا) الجميلة؛ التي عرفتها وربيت أو رضعت في ظلها، تبدو وكأنها لبست ثوباً غير ثوبها الذي عرفت، وتلك الغرفة الصغيرة في الدار التي ولدت فيها؛ طاح سقفها على أرضها، وتهدمت جدرانها، واقتُلع بابها ومزاربها، وتطامنت كثيراً أمام عيني.
* لماذا أبحث عن الراحة وسط حطام؟!..
* سألت نفسي وأنا أنفض الغبار الذي علق بثوبي عند باب غرفة ولادتي.
* مددت نظري إلى تلك الركبان والأشعب والجبال والهضاب؛ المحيطة بهذه الدور التي هجرها كل أهلها؛ فلم يبق قائماً فيها؛ سوى محراب المسجد الذي ظل أبي متشبثاً به يصلي؛ ونحن الصغار خلفه نصطف؛ نقلد صلاته؛ مع كثير من همهماتنا وضحكاتنا الصبيانية!..
* لا شيء في الأفق هنا؛ غير وحشة المكان الخالي من الإنسان..!
* عدت مرة أخرى إلى المدينة؛ أحشر نفسي في الصخب والتعب؛ أتفحص الوجوه حولي؛ وترمقني العيون التي أعرفها كالعادة.
* ومرة أخرى، تحتويني داري؛ وتضمني مكتبتي الخاصة؛ فأمني نفسي براحة واستجمام مع عِظام؛ نزلاء المقابر العظام؛ من أمثال البحتري وابن عبدربه؛ أو الجاحظ وأبي نواس.. إلى آخر قائمة الأصدقاء الخُلَّص؛ الذين أفر إليهم عند اللزوم؛ فلا أجد عندهم إلا الراحة والمتعة؛ فهم نيام قيام عظام؛ وهم أصدقاء صُدقاء أوفياء؛ قلّ نظيرهم في الزمن الرديء الذي نعيشه.
* كان واحد من لداتنا المجربين يقول دائماً؛ لا تمني نفسك بشيء؛ لأن نفسك تحسد نفسك..! وكان أهلنا إذا خرجوا إلى مزارعهم؛ فأشرفواعلى حقول القمح والشعير والذرة؛ أو وقفوا على بساتين العنب والرمان والخوخ؛ وهي مثقلة بأثمارها قالوا: قولوا ما شاء الله تبارك الله.. ما يحسد المال إلا أصحابه..! ويبدو أن نفسي حسدت نفسي، وأني قد بالغت في حملها على راحة من نوع جديد؛ فلا أنا من الذين ركبوا الأجنحة الطائرة إلى بلدان بعيدة؛ ولا أنا من الذين أقفلوا عليهم أبوابهم؛ فالتهموا ما لديهم من كتب معدة للقراءة؛ وعندما وسوس لي خاطر السفر إلى بلد عربي أحبه؛ وجدت مقعداً لذاهب؛ ولم أجد مقعداً لآيب؛ فتذكرت مايردده أهل الكنانة؛ فرحاً بالخلاص من شخص غير مرغوب فيه؛ يقولون: (المركب اللي تودي ولا تجيب)..! فتشاءمت وحوقلت وتعوذت، وعدت إلى أوراقي أقلبها فتقلبني؛ وإلى بريدي أتصفحه فيصفعني؛ وإلى هاتفي أهاتفه فيصعقني؛ ففعلت بي الأوراق فعلها، وأسَرَني البريد أيما أسْر؛ واختطفني الهاتف أيما خطف؛ فعادت حليمة إلى عادتها القديمة؛ وفي الصيف هذا؛ ضيع صاحبكم اللبن.. أو هو ضيع على نفسه متعة الاستجمام؛ وفقد فرصة الراحة؛ بل وجد أن أصعب شيء في هذا الكون العجيب بالنسبة لمن هو في مثل حاله من الكتبة؛ هو كيفية إدارة الوقت.
* ونتيجة لهذا العيب المتأصل عندي؛ في كيفية إدارة الوقت؛ فإني أقولها بكل فخر هنا؛ اني استسلمت طواعية طيلة شهر كامل؛ لما يمليه عليّ وسواس التنبلة؛ وما يختاره لي خناس الكسل؛ فوقعت فريسة سهلة؛ يتقاضمها مناصفة بينهما؛ وسواس وخناس، صباح مساء؛ فلا شيء سوى ما يهتف به هاتف؛ أو يملي به (إيميل)؛ فهذه نصيحة من ناصح؛ وهذه قديحة من قادح؛ وهذه مديحة من مادح؛ حتى مللت من الكلام؛ وسئمت الأقلام؛ وودت لو أني أجد بقعة من أرض؛ ليس فيها من يفتح فمه؛ أو يشرع قلمه؛ أو يبسط نظره.
* فهؤلاء جميعاً؛ أعادوني إلى ما قبل اليوم الأول من (أوقست)، إلى الكتابة التي فررت منها؛ وإلى المداحجة مع الخصوم؛ والمدامجة مع القروم.
* عدت لنفسي أكثر من مرة؛ فقلت لها وأنا بكامل قواي العقلية: هذه هي نتيجة الفوضى والجهل بعلم إدارة الوقت؛ فذوقي يا أيتها النفس اللوامة ما زرعت.
* وذوقي مرارة الإحباط؛ من مثل هذا الإنسان العجيب؛ الذي يسمي نفسه «ناصح أمين»؛ فيستغل قربه من كبار المسئولين؛ ويمتهن مركزه الوظيفي؛ ليسدي إليك نصيحة (ثمينة)؛ ألا تكتبي ضد العمليات الإرهابية في بلادك؛ لأنه (هو)؛ لم يتبين بعد؛ الخيط الأبيض من الخيط الأسود..!
* وذوقي يا أيتها النفس اللوامة؛ علقماً جديداً في شهر (عدم) راحتك؛ فهذا شخص محسوب على جهاز إعلامي كبير، ينصّب نفسه وصياً عليك وعلى أمثالك من الكتبة؛ أولئك الموسوس لهم من شياطينهم؛ فيطلب منك صراحة؛ الكف عن الكتابة في شأن الإرهاب والعمليات الإرهابية؛ في الرياض أو في غيرها من مدن المملكة؛ وذلك حتى لا تجرحي مشاعر الشباب المتدين..؟!! ثم ينصّب نفسه وصياً - هذه المرة - على الدولة بكاملها؛ وينوب عن كامل الوطن وكافة أبنائه؛ بأن يقول لك يا أيتها النفس اللوامة الجاهلة؛ بأن الدولة ليست في حاجة لمثل كتاباتك؛ فأغمدي قلمك؛ واسكبي حبرك، وانكبي على جراحك؛ فالعقيها..!
* والأدهى والأمر من كل ما تقدم؛ أن يقتحم عليك خلوتك في شهر راحتك الذي تزعمين؛ عدد من الناس؛ إما مقابلة؛ أو مهاتفة، أو مكاتبة، فبعضهم يطلب منك الكف عن الكتابة في شأن ما تتعرض له المملكة من إرهاب وعدوان؛ لأن مثل هذه الكتابات ضد العمليات الإرهابية؛ فيها إيذاء صريح ل (إخوانك المجاهدين)..؟!
* إخوان مجاهدون؛ يتفضلون عليك بالمزيد من المتفجرات والنار والقتل والخوف؛ فاشكريهم يا نفس يا لوامة؛ فقط لأنهم شباب متدين مجاهد في سبيل الله.
* الله أكبر..
* حسبي الله ونعم الوكيل..
* ليتني لم أطع هذا الوسواس الخناس؛ الذي صور لي شهر أغسطس؛ وكأنه الحلم الذي أنتظره وينتظرني مند عام.
* قد كان حقاً.. حلماً من خيال فهوى

fax:027361552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved