السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
كان هناك سؤال موجه إلى فضيلة الشيخ عبدالله الركبان عضو هيئة كبار العلماء، في ركن الإرشاد من صفحة المجتمع من اخت كريمة ذكرت اسمها الصريح واسم عائلتها والمنطقة التي تنتمي إليها، وكان السؤال بالغ الحساسية في أمر يخصها ويخص زوجها فقط، حيث كان سؤالها يتلخص في انها لا تزال تحمل لقب فتاة رغم مضي سبعة أشهر على زواجها، حيث اكتشفت ان زوجها يعاني من عجز جنسي، وقد طلبت الطلاق منه فلم يمانع، وتسأل عن حقوقه الشرعية المترتبة على ذلك، وقد أجابها فضيلة الشيخ عبدالله مشكوراً بما يشفي الغليل، إلا انني تمنيت ان أقول لها ولكل زوجة، وأنا أقرأ سؤالها مرات عديدة، ان أول حقوق الزوج ان تحفظي سره، ولا تنشريه على رؤوس الملأ، سواء كان ذلك عن طريق الجرائد أو المجالس النسائية أو بين أولاده أو غير ذلك، بل ان المنطق إذا فرض نفسه، فإنه ينبغي ان لا يعرف والداها نفسهما شيئاً عن أسرارها ومشاكلها مع زوجها إلا بإذنه، وما ينطبق على الزوجة ينطبق أيضاً على الزوج.
فمادام ان المشكلة بالإمكان حلها دون تدخل الأهل، فلا داعي من تدخلهم أو حتى معرفتهم بها، وهذا ما ينطبق على هذه المرأة الكريمة التي أشارت في سؤالها، انها عندما اكتشفت العجز الجنسي بزوجها، وصبرت عليه سبعة أشهر وطلبت الطلاق منه فلم يمانع، أي ان المشكلة انتهت تقريباً وذلك باتفاقهما على الطلاق، إذن فما الداعي للتشهير بالزوج والإساءة له، هل ليعلم الناس ان العيب فيه وليس بها، أم للانتقام منه لعدم اخبارها قبل الارتباط بها انه عاجز جنسياً، وكأنه كان يعلم ذلك، أم من أجل ماذا؟!!
فالمسألة اعتقد ليست بهينة على أي رجل، فهي تتعلق بالطعن في رجولته، وهذا ما سوف يؤثر على زوج هذه المرأة، في ارتباطاته الزوجية القادمة، فهو بلا شك سيبحث عن العلاج بعد انفصاله عنها وقد يجده، ولكن من سيصدقه بعد ان كشفت زوجته السابقة سره، بل انني اعتقد انه إذا ما تأخر شفاؤه النفسي خاصة، فإن هذه الزوجة ستكون أحد أسباب ذلك، بل انني اعتقد ان هذه الزوجة كانت أحد أهم أسباب اخفاقه في القيام بواجباته الزوجية على مدى الأشهر السبعة السابقة، التي هي عمر زواجهما، لأن الأطباء يذكرون ان بعض اسباب العجز الجنسي لدى الأزواج، يكون مرتبطاً بالحالة النفسية التي يكون عليها الزوج، أي ان الزوج قد يكون سليماً من الناحية العضوية، إلا انه أخفق في الأيام الأولى من الزواج بالقيام بما هو مطلوب منه تجاه زوجته وهذا أمر طبيعي إلا ان الوهم والخوف من ان يكون مسحوراً، يضاف إلى ذلك عدم أخذ الزوجة بيد زوجها، وتشجيعه والرفع من معنوياته، واظهار محبتها له والوقوف بجانبه، والتأكيد له على ان الزواج ليس مجرد افراغ شهوة، بل حياة متكاملة تتجلى فيها أروع الملاحم، وأجمل الصور، وكل معاني التضحية والتفاني، فإذا ما غابت كل تلك الأمور أو بعضها، فإن الزوج قد يفقد ثقته بنفسه، وإذا ما أضيف إلى ذلك ايضاً نظرة التعالي والاحتقار والاشمئزاز الدائم التي تنظر بها الزوجة إلى زوجها كلما أخفق بالقيام بمعاشرتها، فإن همه وغمه يزدادان وكلما حاول ان ينجح في سبيل الهروب من نظراتها التي تكون كالسياط على ظهره، أخفق مجدداً، خاصة إذا صاحب ذلك تعبير للزوج بالفشل أو اظهار للملل من اخفاقاته المتتالية، وهذا في الغالب يحدث إذا طالت مدة عجز الزوج وزال حياء المرأة من زوجها، فيصبح حال الزوج المسكين كحال من يشرب من ماء البحر، حيث يزداد ظمؤه كلما شرب من ماء البحر، بدلاً من ان يرتوي.
وحتى لا أُفهم خطأً فالمرأة المتزوجة من حقها ان تطالب بحقوقها الشرعية، ومنها البحث عن الإشباع الغريزي والفطري، ومن حقها كذلك من ان تبحث عن الوسيلة التي تحقق لها حلم الأمومة الجميل، ولا تثريب عليها في ذلك، ولكن اعتقد أيضاً انه لابد لها من اختيار الأسلوب المناسب، لمعالجة مشكلة حساسة كمشكلة العجز الجنسي، خاصة إذا كان الزوج متفهما وواعيا، كأن تعرض عليه الذهاب إلى طبيب يشخِّص حالته، ويصف له الدواء المناسب، بعد ان تكون قد قدمت له الدعم والتشجيع اللذين يحتاجهما لتجاوز محنته ان كانت نفسية، فإن رفض فتصبر عليه وتحاول اقناعه بأسلوب لطيف ومهذب، ان يعرض نفسه على الطبيب، مع تأكيدها له على ان الكل يمرض، وليس في المرض من عيب، وانه قد يكون مصابا بمرض عضوي يحتاج إلى علاج، وان لديها الاستعداد للصبر إلى ان يمِّن الله عليه بالشفاء، فإذا رفض بإصرار العلاج بجميع أنواعه وصوره فمن حقها حينئذٍ ان تطلب الطلاق، لتتزوج بغيره ولكن دون ان تكشف سره، خاصة انه قد يكون سليما معافى، ولكن أدى به الجهل بهذه الأمور أو الاستعجال أو الارتباك والخجل، أو الضغوط النفسية والتعب الذي تعرض له قبل الزواج، إلى ان يصاب بهذه الحالة النفسية المؤقتة التي قد تزول بابتعاده عنها، ومن ثم ارتباطه بأخرى.
وعودة إلى الأخت الكريمة التي سألت الشيخ عبدالله، حيث اعتقد انها قد تكون ألحقت الضرر بنفسها ايضاً من حيث لا تشعر، حينما استخدمت اسمها الصريح، حيث سينتشر بين المحيطين بها من أقارب وجيران ومعارف، انها كشفت سرها مع زوجها على صفحات الجرائد، وهذا سوف يجعل كل خاطب عاقل يفكر ألف مرة قبل ان يتقدم لها خاطباً، خوفاً من ان يتعرض لنفس الموقف الذي تعرض له زوجها السابق، حيث سيعلم انها من النوع الذي لا يحرص على حفظ اسرار حياتها الزوجية، وسيردد بينه وبين نفسه مقولة، السعيد من وعظ بغيره.
وختاماً أعتقد ان أي رجل لا يتمنى ان يكون في موقف ذلك الزوج المسكين، الذي قد تكون حياته قد تعرضت لانتكاسة من جراء هذا الأمر، فهو قد يكون قد قرر تحقيق رغبة زوجته بانفصالهما، ليبحث له عن علاج بعيداً عنها، فإذا هي تطعنه في الظهر، طعنة قد تحطم كيانه، بل قد يدفعه الخوف من معايرة أو نظرات من حوله له، للهرب بعيداً عن نظراتهم وألسنتهم التي لا ترحم، بل انه قد يكره النساء بسبب هذه المرأة التي لم تحسن التصرف مع من كان في يوم من الأيام زوجا لها، وحتى لا اتهم بالقسوة البالغة في حق هذه المرأة الكريمة التي سألت هذا السؤال، فإنني أبدي تعاطفي الكبير معها، كما أكرر ان من حقها ان تشعر بانوثتها، ومن حقها ان تبحث عن الأمومة، كما انني أدرك أيضاً مقدار الصدمة التي تعرضت لها، خاصة انها جلست فترة طويلة وهي تنتظر الزوج الموعود، إلا انني أجد نفسي غير قادر على ان أعفيها من المسؤولية، لعدة أسباب منها ان الزواج ليس مجرد كلمة تقال بل رباط مقدس، ومنها ان سنوات الانتظار طويلة، تعتبر حجة عليها في الوقت نفسه، فمن كانت في مثل سنها تكون أكثر تعقلاً وأقل اندفاعاً وتهوراً، وأكثر احساساً بالمسؤولية.
إضاءة
أحدهم ذكر لي انه كان يحب إحدى قريباته حباً شديداً ويرغب الارتباط بها، إلا انها كانت في ذلك الوقت صغيرة في السن، فخطبها من والديها، وانتظر خمس سنوات إلى ان بلغت مبلغ النساء فتزوجها ولم يمض على زواجه منها سوى بضعة أشهر حتى طلقها، أما سبب طلاقه السريع منها، فهي انها كانت تخبر والدتها بكل ما يحصل بينها وبين زوجها، حتى انها كانت تخبرها بما كان يحصل بينهما في غرفة النوم، مما ولّد المشكلات بينهما، والغريب ان حبه الشديد لها قد تحول إلى بغض شديد، حتى انه قال لي عنها في يوم من الأيام: «الله يقطع الساعة التي عرفتها فيها».
إشارة
أعتقد ان الزوجة الذكية هي التي تستطيع ان تكون كالسراج الذي يضيء لزوجها دربه، والزوجة الذكية أيضاً هي التي تستطيع ان تعرف متى وأين وكيف تمد يديها لزوجها، لتكون كطوق النجاة لزوجها من تيارات الحياة الجارفة، والزوجة الذكية كذلك هي التي إذا ما وجدت الزوج الذي يتقي الله فيها ويحسن معاملتها، فإنها تقف معه في محنته بل وتعض عليه بالنواجذ، لأنها تدرك انها لن تجد في كل يوم عريساً يحسن معاملتها، ولأنها تدرك ايضاً ان أي زوج يمتلك ذرة من المروءة متى ما استطاع ان ينجح في تجاوز محنةٍ ما، فإن الزوجة التي وقفت معه في هذه المحنة، ستكون أغلى عليه من عينيه.
وقفة تأمل
فكرة هذا المقال كانت تراودني منذ مدة طويلة، حيث كنت بين حين وآخر اتعجب من حال بعض الأشخاص، الذين يعرضون مشكلاتهم الشخصية عبر وسائل الإعلام المختلفة وبالأخص القنوات الفضائية، دون ان يخشوا ان تتأثر حياتهم أو حياة المحيطين بهم من هذه الصراحة والجرأة المبالغ فيها، ولا أزال أذكر بألم وسخرية حال تلك الفتاة التي اتصلت قبل سنة تقريباً على إحدى القنوات الفضائية، وأخبرت الشيخ المعبر بالحلم أو الرؤيا التي رأتها في منامها، فنصحها المعبر ان تدع المعاكسات الهاتفية، وكانت الفتاة المسكينة والدموع تكاد تملأ الفضاء، تنفي بشدة ان تكون ممن يستخدم الهاتف في المعاكسات، وكان بإمكانها ان توفر على نفسها ذلك الحرج أمام أهلها وأمام من سوف يعرفها، لو انها اختارت الطريق الصحيح لتعبير رؤياها.. والله من وراء القصد
علي بن زيد القرون
حوطة بني تميم
|