Friday 29th august,2003 11292العدد الجمعة 1 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مراجعة الخطاب الإعلامي: مراجعة الخطاب الإعلامي:
حتى لا نؤجج الإرهاب..!!
تركي بن منصور التركي

الإعلان الأخير الذي أصدرته وزارة الداخلية عن عدد من المضبوطات من الأسلحة والمتفجرات التي تم العثور عليها في مأوى تقطنه جماعة تخريبية في الرياض، لم يكن الحدث الأول، وهو امتداد للأعمال التفجيرية التي شهدتها الرياض قبل فترة التي أدانها الجميع فيما يشبه الاتفاق على حرمتها وخطورتها، بدءاً من رجال العلم مروراً بأهل التربية وانتهاء برجل الشارع العادي، هذه الأحداث المتتابعة يصر كثيرون على أن يطرحوا إزاءها السؤال «لماذا؟» أو «ما الهدف منها..؟» وتعقد لذلك لقاءات صحفية وتلفزيونية وكلها تحاول ان تجيب عنها باجتهاد لا يقود في الحقيقة إلا لإجابة واحدة لا غير، وهي انها تخريب ومحاولة لجر المجتمع نحو دوامة العنف والإرهاب.
وأحرص كثيراً في الحقيقة على ان أتحاشى مثل هذه اللقاءات، لأنها لابد وان تحفل بمغالطات وتضخيم ربما مستهدف أو غير واع لأمور لا علاقة لها بالحدث جملة وتفصيلا..!! وبداية لا أعتقد ولو لخاطر صغير ان يوجد في هذه البلاد من يؤيد هذه الأعمال أو يراها جهاداً وعملاً يراد به وجه الله، وحينما أقول «هذه البلاد» فإني أعني من تشرب من مناهجها ودرس في مساجدها وجالس علماءها وتأثر بإعلامها، ولذا فإن المتفق عليه فيمن تم القبض عليهم ان غالبيتهم كانوا في فترات معينة خارج حدود هذا الوطن، وتأثروا هناك بتيارات فكرية «تكفيرية» عصفت بمجتمعات إسلامية وعربية متعددة، وهذا يقودني إلى أن الطرح الإعلامي كما شاهدته مؤخراً على قناتنا الأولى يعمل على خلط الأوراق، أو كما قيل خلط الحابل بالنابل..!! فأصبحت حلق تحفيظ القرآن الكريم منبعاً لتصدير الإرهاب، وبات رجال التربية والتعليم دعاة للفكر المتطرف، والدروس والمحاضرات في المساجد تؤسس قواعد تكفيرية خطيرة، وان الجمعيات الخيرية هي من تمول التفجيرات..!! وهذا ما حاول ان يقوله أحد المشاركين في البرنامج وهو إعلامي سعودي معروف، حينما قال: إننا كنا نسعد حينما يذهب أبناؤنا لحلق تحفيظ القرآن.. ولكننا فوجئنا ان هذه الحلق هي من يخرِّج المتطرفين.. متسائلا عن الرقابة عليها..؟ وحسبي ان إعلامياً مثل ضيف البرنامج ذاك يعلم يقينا ان جماعات تحفيظ القرآن وغيرها هي مؤسسات حكومية رسمية تشرف عليها وزارات مسؤولة، وهو بهذه التهم إنما يتهم الجهاز ذاته، بل ويفتح للآخر الفرصة لاتهام هذه البلاد..!! ومع هذه الاطروحات مهم ألا نأخذ الصالح بجريرة الفاسد، وألا نعمل كما دعا أحد ضيوف البرنامج على ما أسماه عن وعي أو جهل ب«تجفيف المنابع!!» منابع أي شيء؟ هل يقصد الإرهاب..؟ وهل تجفيف منابع الإرهاب لابد وان يمر بإلغاء جماعات تحفيظ القرآن وهيئات الأمر بالمعروف والمنظمات الخيرية..؟ وهل يربط من حيث يعلم أو لا يعلم بين «الإسلام» الذي تجسد ثوابته الشريعة التي تطبقها هذه الدولة، وبين الإرهاب الذي خرج من بؤرة لا تحمل هذه القيم والثوابت الراسخة.
أيضاً من ذلك الخلط ما يقوم به البعض بين الجهاد الإسلامي الذي دعمته ووقفت معه حكومتنا الرشيدة معنوياً ومادياً لإخواننا المسلمين في أفغانستان إبان الاحتلال السوفيتي أو للمجاهدين الشيشان وبين الإرهاب الذي تتعرض له بلادنا حالياً، فليس من مجال للتذكير ان الوقفة مع اخوتنا هناك هو واجب وحق من المهم القيام به، وليس بالضرورة ان كل من «جاهد» ببدنه أو ماله بموافقة من الدولة هو حامل للفكر الإرهابي، ولذا فيجب ان نفرق بين الواجب والتطرف.. وألا نخلط بينهما، فنحن إن حملنا ذلك «الجهاد» الرسمي والفردي مع اخوة لنا في العقيدة وزر التطرف الحالي فإننا نتهم هذه الدولة بأنها من أسس وأصل للتطرف..!!
هذه اللقاءات التي لا أحرص عليها كما ذكرت، تقودني لسؤال مهم ومؤثر، وهو من هو الأحق بأن يتحدث عن ظاهرة الإرهاب والتفجيرات، من هو الذي يجب ان يخرج أمام الملأ إعلامياً ليقول رأياً أو يطرح فكراً..؟ إن كان المعول عليه فقط هو «نقد» الإرهاب والتنديد الذي يجعل المشاهد يخرج من البرنامج بكما بدأ به، فإن اختيار «أي» شخص أمر يفي بالغرض حتى لو كانت مؤهلات ذلك الشخص انحرافات فكرية سابقة ليست من ديننا في شيء ظن معها انه قام للتجديد والتصحيح..!! أما إن كان المعول عليه هو إحداث التأثير والتغيير فيمن يقف ويتسمر أمام الشاشة، فإن اختيار ضيوف تلك اللقاءات يجب ان يتم وفق آلية مدروسة، لا يتحكم فيها معد أو مقدم البرنامج فقط، بل لابد ان تقف خلف ذلك الأجهزة المعنية ذات الصلة كوزارة الداخلية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وزارة الإعلام، وزارة التربية والتعليم، وغيرها، فرب إعلامي زاده القلم والورق لا يفقه في أصول الفقه الإسلامي ولا يعرف ما الفرق بين الأصول والفروع والناسخ والمنسوخ، فبات من المهم ان يتم اختيار الضيف بدقة وعناية ووفق رؤية شاملة تخدم جميع الأطراف، الأمر الآخر هو ضرورة ان يكون الشخص الذي يخرج ليتحدث أمام ملايين البشر فضائياً ومحلياً يجب ان يكون مقبولاً من الجميع.. أو لنقل الغالبية، فحينما تأتي بشخص يتردد اسمه كثيراً في خانة «التطرف» في أقصى خانة اليمين أو اليسار، ولفئة دون أخرى فأنت لا تعمل على الحل.. بقدر ما تعمل على إثارة الخلافات اكثر وأكثر، وأعجب من أحد الذين استضافهم البرنامج حينما ردد أكثر من مرة عبارة «تحرير العراق» على الحرب الأمريكية على العراق رغم ان الولايات المتحدة ذاتها تردد يومياً انها «قوات احتلال»..!! هل نتصور ان مثل أولئك سيكونون مقبولين ان اتيحت لهم الفرصة للحديث..؟؟ وأنا هنا أشدد على ان الإعلام قد يمارس «التطرف» من حيث لا يعلم، حينما يتيح المجال لإعلاميين مرفوضين شعبياً، ويمنحهم الفرصة للهدم والقفز على الثوابت دون معرفة ولو بسيطة بتعليم ديننا الإسلامي الحنيف..!!
وفي مثل تلك اللقاءات، مهم جداً ألا يقتصر فقط على رأي من يشاطرون المذيع الجلسة داخل الاستوديو، أو البحث عن رؤى معينة، فمداخلات المشاهدين هي من يخلق الرأي، لأنها تمثل تساؤلات ورؤى بحاجة لتمحيص وتدقيق، ودور من يجلسون داخل الاستوديو هو ذلك، وشخصياً.. ولأكثر من حلقة حاولت الاتصال على البرنامج والخط مشغول.. رغم ان عدد المداخلات الهاتفية في البرنامج لا تزيد في الغالب على مداخلتين أو ثلاث..!! إذن كيف يصبح خط البرنامج مشغولاً..؟؟ ناهيك عمن تتاح له الفرصة، فليس ضرورياً ان يوافق رأي المتصل رأي المقدم والضيوف حتى يستمر في الحديث ولا يقاطع بقطع الاتصال كما فعل متصلة حرصت على بيان نقطة واحدة وهي التفريق بين الإرهاب والإسلام..!!!
أسأل الله عز وجل ان يحمي هذه البلاد من أيادي التخريب والعبث، وان يديم عليها نعمة الأمن والأمان، لتقوم بدورها كحام أمين للمقدسات الإسلامية، وقدوة تحتذى في تطبيق الشريعة الإسلامية.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved