هانغتشو مدينة جميلة المناظر غنية بالثروات، وقد كانت عاصمة السين في عهد أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1729) كما كانت ميناء تجارياً دولياً هاماً في التاريخ. أما مسجد تشينجياو (الدين الحق) الواقع في شارع الدكتور صون يات صن بالمدينة فقد سمي (مسجد العنقاء) لأن بناءه يشبه العنقاء الناشرة جناحيها، قيل إن بوابة المسجد وبرج مشاهدة الهلال القائم عليها، يشبه رأس العنقاء، وأن الممر المؤدي من البوابة إلى الداخل يشبه عنقها، وأن صفين من الأشجار الهرمة المتسامقة على يمين المسجد ويساره يبدوان وكأنهما جناحان لها، وأن المباني المتوزعة في قلب المسجد تشبه بدنها، وأن دغلة من البامبو خلف قاعة الصلاة تشبه ذيلها أم البئران أمام قاعة الصلاة فقد جرت العادة على تشبيههما بعيني العنقاء.
كما قيل إن المسجد قد تم بناؤه في عهد أسرة تانغ (618- 907م) ثم أتلف سنة 1203م وأعيد بناؤه في عهد أسرة يوان (1271- 1368م) ولكن النصب الحجري القائم في المسجد الذي يرجع تاريخه إلى سنة 1493م يشير إلى أنه قد بني سنة 1281م بينما يشير (تاريخ هانغتشو) إلى أنه شيد على يد علاء الدين العربي سنة 1314هـ وقد وصف ابن بطوطة ما رآه هناك قائلاً: في اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة، ويسكنها المسلمون. ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام، بها المساجد والمؤذنون، سمعناهم يؤذنون بالظهر عند دخولنا، ونزلنا منها بدار عثمان بن عفان المصري، وكان أحد التجار الكبار الذي استحسن هذه المدينة فاستوطنها وعرفت بالنسبة إليه وأورث عقبه بها الجاه والحرمة، وهم على ما كان عليه أبوهم من الايثار على الفقراء والاعانة للمحتاجين.
ولهم زاوية تعرف بالسليمانية حسنة العمارة، لها أوقاف كثيرة وبها طائفة من الصوفية، وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع، ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافاً عظيمة وعدد المسلمين بالمدينة كثير.
ونعرف من تدوينات ابن بطوطة أن المسلمين العرب كانوا قد استوطنوا هانغتشو منذ زمن بعيد.
ولكن ليس في حوزتنا معلومات دالة على أن المسجد العثماني الذي رآه ابن بطوطة بأم عينيه هو المسجد المشيد على يد علاء الدين العربي سنة 1314هـ حسبما ورد ذكره في «تاريخ مدينة هانغتشو».
ويحتفظ مسجد تشنجياو (أو العنقاء) بست قطع ونصف من الطوب المنقوش يرجع تاريخها إلى اسرة سونغ الجنوبية إن هذا النوع من الطوب يبدو على شكل مربع وهو بحجم 5 ،42 سم /5 ،42 سم/7 ،4 سم.
ويلاحظ على سطح الطوب آيات قرآنية (92 - 96 من سورة آل عمران) وعلى سطحه الجانبي نقوش من الكتابات «طوب مصنوع في عهد أسرة سونغ حسب طلب هانغتشو عاصمة البلاد» وتعتبر هذه النقوش من الأدلة الاضافية على تاريخ المسجد.
تمتد مباني المسجد الرئيسية: البوابة وقاعة الصلاة وقاعة الدعوة على خطه المحوري الوهمي من الشرق إلى الغرب. أما قاعة الصلاة - أقدم مبنى في المسجد، فمسقطها الأفقي غير منتظم ويبلغ عرضها ثلاث فسح (الفسحة: المسافة بين دعامتين) ومبنية من الطوب وخالية من العوارض ومطلية جدرانها بالجير الأبيض ومزخرفة بالنقوش الجميلة. وتتكون واجهات القاعة من البنايات الثلاثية الفسح، ولكل فسحة باب. وترى كلا من الجمالونين اثنين من الأبواب ذات الخطوط القوسية الانسيابية، مع العلم أن هذا النوع من البوابات يبدو على شكل دائري إذا نظرت إليه عن بعد، أما الجدران الخلفية للقاعة فليس لها ابواب، ولكنك ترى في الأجزاء العليا من الجدران ما بين كل فسحتين اثنتين من النوافذ المعقودة الشكل كما ترى افاريز بارزة على أعالي الجدران، وصفوفاً منتظمة من القراميد على سطح القاعة الذي تنتصب عليه ثلاث عليات مخروطية الشكل، ومن الواضح أن ظهور هذه المباني المخروطية الشكل متأثر بأسلوب العمارة الإسلامي دون شك.
وكانت بوابة المسجد مكسوة بالنقوش الطوبية الجميلة، وعلى كلا جانبيها سلم خشبي يمكن الصعود عليه إلى برج مشاهدة الهلال القائم على البوابة والبالغ ارتفاعه عشرات الأمتار.
وكان هذا البرج في غاية من الروعة ومن المؤسف أن فكك سنة 1929م عنوة بأمر من سلطة حزب الكومينتانغ وذلك بحجة أنه كان «يؤثر في المواصلات» على حد زعمهم، الأمر الذي شوه ملامح المسجد الكاملة، وفي الأيام الأولى من تأسيس الصين الجديدة خرب المسجد إلى حد كبير لحرمانه من الترميم مدة طويلة ولجأ المسلمون هناك سنة 1953م إلى ترميمه على نطاق واسع، فتجددت ملامحه كل الجدة. ودخل هذا المسجد العريق في قائمة أهم الآثار المحمية على نطاق البلاد.
|