كل حركة، وكل عقيدة، عند الغربيين، يرون فيها تعصباً لفئة دون فئة، ولطائفة من طوائفهم دون أخرى، يلبّسون ثوبها المستعار للإسلام وتشريعاته..
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لعن الله بني إسرائيل بسبب تركهم ذلك الأمر، فابتعدوا عن رحمة الله سببه، كما قال سبحانه في سورة المائدة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، )كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) } (18-19)، يعتبرونه عند المسلمين إرهاباً، لا لشيء إلا أنهم تركوه، ويريدون من المسلمين، اتِّباعهم في هذه المعصية.
والجهاد في سبيل الله، يريدون حذف آياته من كتاب الله، لأنه في نظرهم عدوان وإرهاب، وما عرفوا أن الإسلام جعل له قيوداً ومسبّبات، وجعل الدعوة إليه من ولي الأمر وليس مفلتاً لمن هبّ ودبّ، ومن أجل الدعوة لدين الله الحقّ،. كما حكموا على المناهج الإسلامية، أنها تعلّم الإرهاب، وتدعو إلى الفساد والإفساد، وما عرفوا أنهاه تعادي كل تهمة يلصقونها بمبادئ هذا الدين، الذي يدعو إلى الألفة والمحبّة، واحترام الآخرين، في أعراضهم وأموالهم ودمائهم.
ذلك أنهم يرون في مجتمعاتهم تطرّفاً دينيّاً، وتعصباً عقدياً، يبثّ العداوة والبغضاء فيما بينهم، في طوائفهم، فأرادوا رمي الإسلام: حقداً وعداء.. بأدوائهم التي تأذّوا منها، لأنهم يساقون فكرياً إلى دروب لا يعرفون مسالكها.. ويريد المدركون منهم قلب الحقائق، وبثّ البغضاء ضد دين الإسلام وأهله، ووصفهم بنعوت منفّرة، من باب «رمتني بدائها وانسلّتْ».
فالعداوات بين طوائفهم كثيرة والهوة تزداد، فيريدون لأهل الإسلام أن ينحدروا إلى ضياع متاهاتهم، كما يريدون بثّ البغضاء بين أبناء المجتمع الإسلاميّ بما يدخلون من شبهات، وما يبثّون من أفكار سيئة.
أذكر بالمناسبة، أنني مع نفر من طلابنا بأميركا، كنا نسير على أحد الطرق السريعة من ولاية إلى ولاية ومررنا بإحدى المدن الصغيرة التي يخترق الطريق وسطها، فهدَّأ السائق سرعته، لأخذ غرض من إحدى البقالات، فإذا مجموعة من النساء، قد أخرجن أثاث بيوتهن إلى الشارع، ولهنّ جلبة تشبه المظاهرة وأصوات احتجاجات عالية.
ذهب واحد من المرافقين، إلى مكان التجمّع، وبعدما عاد قال: الأمر فيه احتجاج شديد، وقد يصل الأمر إلى المشادّة، وبالسؤال عن السبب، قال: هؤلاء النّسوة، يمثلن سكان هذه المدينة رسمياً، وقد سكن عندهن أسرة «بروتستانتينية»، وهم كاثوليك، وعند الكاثوليك تعصّب ديني شديد، ضد «البروتستانت» ولا يرضين سكنى هذه العائلة بينهنّ.
هذا نموذج للتطرف الديني عندهم..
أما الجانب الذي يريدون ستره، فقد حصلت مذبحة كبيرة في أميركا بتاريخ 11 سبتمبر، متزامنة مع حادثة مركز التجارة العالمي، ولم تثر عندهم مع أنها دينية أثراً، في عام 1857م 11 سبتمبر، عندما اعترض «المورمون» في منطقة «يوتاه» قافلة من المهاجرين الجدد، كانوا في طريقهم من «أركنساس إلى كاليفورنيا» فقتل المورمون المتنكّرون في زيّ هنود حمر عدداً كبيراً من هذه القافلة، كان أقل تقدير بأنهم 140 شخصاً ولم يبقوا إلاّ على بعض الأطفال.. (الوطن ص22).
ذلك أن هذه الطائفة، متطرفة دينياً، قامت على العداء والقتل، وتستمد أكثر تعاليمها من أصول يهودية، عدوانيّة متشدّدة، ضد الفرق النصرانية كلها، ثم بدأت تتسع لتكون ضد الإسلام، وغرس جذور الفتنة ضد دين الله الحق (يراجع في هذا الموسوعة الميسرة في المذاهب والأديان المعاصرة ص 475-488).
بل بلغ الأمر أن «المورمون» يكفّر بعضهم بعضاً، حيث يوجد طائفة منهم، لديهم أوهام دينيّة، وعنف وتطرّف يشكل عام حتى يقول الكاتب «جون كراكاور» في كتابه: (تحت راية السماء): بأن المجتمعات المنعزلة في الغرب الأمريكي وكندا والمكسيك، حيث يعيش حوالي 000 ،40 من المورمون الذين يعتقدون بأن الكنيسة «المورمونية» الرئيسية ضآلة لأنها تخلَّتْ عن أشياء منها تعدّد الزوّجات.
كما جاء في صحيفة الفرقان الكويتيّة العدد 254 الصادر يوم 6/6/1424هـ: أنّ أحد علماء الغرب المطّلعين يقول: إن الغرب الآن في حالة روحيّة قلقة، ومن الممكن أن يتّجه إلى الإسلام، ومن المحتمل أن يتجه إلى صوفية الهند، وأعداء الإسلام يدركون جيّداً الضياع الذي يعيشه الغرب، وحاجته إلى البحث عن طريق يوصلهم إلى الاستقرار النفسيّ، والطمأنينة الرّوحيّة، من هنا كان حرصهم الشديد على تشويه صورة الإسلام بأيّ وسيلة. من جهة أخرى، ليصرفوا به انتباه هؤلاء القلقين الباحثين عن الطمأنينة الرّوحيّة، عن الإسلام ولو لحين.. لذلك ليس غريباً أن نجد كل أشكال الفكر الشاذّ، والمعتقدات الغربيّة رائجة عندهم في إعلامهم وفي كتبهم، وحتى على ملابسهم، وكل شيء حولهم.. وهذا من دسائس اليهود الذين يريدون الفساد.
لكن الغريب أن نجد مثل تلك المعتقدات الضالّة، وكل شيء حولهم من أفكار ملحدة، تغزو بلاد الإسلام، وتزاحم دين الله الحقّ، والمؤسف أن أهله في سباتهم غافلون (ص22).
وصدق الله إذ يقول: {وّدٍَوا لّوً تّكًفٍرٍونّ كّمّا كّفّرٍوا فّتّكٍونٍونّ سّوّاءْ} النساء (89).
فهم يصدّرون هذا الخواء الفكري، والعداوات المتأصلة، فيما بينهم، إلى ديار الإسلام وخاصة الشباب، الذين يجدون فيهم طرواة وسرعة تأثّر، حتى يبثوا العداوات والكراهية في المجتمع الإسلامي، ويفسروا لهم الأمور بعكس ما يأمرهم به دين الإسلام، فهل يعي شباب الإسلام هذا المخطط الموجه ضد وحدتهم ودينهم.. هذا ما نرجوه من العلماء وأصحاب الفكر ليجنّدوا قدراتهم للتوعية والإفهام حتى تستيقظ القلوب.
حسن تخلّص
جاء في ذيل زهر الآداب للحصري: أن مزيد المدني باع دابّة، فلما كان من الغد أتاه النخّاسون طمعاً، فلما نظر إليهم قد أقبلوا نحوه قام يصلّي، فأطال الصلاة، فقالوا له: وهم لا يعرفونه: يا عبدالله قد ذهب يومنا، وأطمعهم طول قيامه، وكان أحسن الناس سمتاً، وأظهرهم هدياً، فانفتل من صلاته، وقال: ما بالكم قد قطعتم عليّ صلاتي؟
فقالوا له: قد ظهر بالدابّة عيب، قال: وما عيبه؟. قال: يخلع الرّسن. قال: لا أعرفه بهذه الصّفة، فماذا تريدون؟. قالوا: خصلة من ثلاث: إمّا الحطيطة، وإمّا ردّ الثمن وأخذ الدابّة، وإما اليمين بالله إنك ما تعرف هذا فيه. فقال: أمّا الثمن فقد فرّقناه، وأما الحطيطة فما تمكننا، وأمّا اليمين فإني ما حلفت قطّ على حقّ ولا على باطل، فأعفوني منها.. فإنها أصعب الخطط عندي، قالوا: ما من ذلك بدّ، فانطلق بنا إلى الوالي.
فقام معهم، فلما بصر به الوالي ضحك، وقال: ما جاء بك با يا أبا إسحاق؟ فقصّ عليه القصّة.. فقال: قد أنصفك القوم، فقال: أعزّ الله الأمير، أحلف أنا في هذه السّن، وضرب يده على لحيته وبكى، وقال: ما حلفت على حقّ ولا على باطل، والتوى أيْ تثاقل ولم يفعل،
قال الوالي: لا بدّ، فالتوى ساعة، ثم قال: أصلح الله الأمير، فإن حملت نفسي على اليمين وحلفت واعنتُّموني - أيْ كلفتموني ما لا أطيق - بعد، قال: أوجعهم ضرباً وأحبسهم.
فلما سمع ذلك استقبل القبلة وأقسم بأغلظ الإيمان، وقال: لقد كان عندي دواب كلها تخلع أرسانها، فكان الحمار يقوم فيعيدها عليها، ويصلحها بفمه قليلاً قليلاً، فضحك الوالي حتى فحص برجليه الأرض، وبُهِتَ النخّاسون وعجبوا منه، وانصرفوا عنه (ص 157).
|