زرت العديد من المواقع التي يتجمع فيها السعوديون المبتعثون لطلب العلم خارج الوطن، وأمورهم الإسلامية كانت تُبشر بالخير والحمد لله، والفضل له قبل الدورات القيمة التي تُقيمها جامعاتنا الوطنية لتثقيف وتوعية الطالب الذي سيبتعث خارج الوطن، وهي دورات تعقد على يد نخبة من الأساتذة والعلماء المسلمين، يقومون بإعطاء الطالب معلومات متنوعة عن كافة المصاعب والمخاطر التي قد تواجهه، وكيفية الحوار والتعامل مع غير المسلمين، وكيفية الحفاظ على مبادئنا الإسلامية في الخارج.. إلخ، وقد اشترطت الدولة حماها الله حصول جميع المبتعثين على هذه الدورة قُبيل ابتعاثهم..
تعارفتُ خارج الوطن مع أحد العاملين في إدارة جامعة ميتشغان الأمريكية المتقاعدين، وكان سريع البديهة صغير الحاجبين، سألني عن اسم الجامعة التي تخرجتُ منها، قلت: من جامعة الملك سعود، فقال: «واااو سأوود» أعرفها انها الجامعة التي أتى منها الدكتور فلان بن فلان.. وبدأ يمتدح ويثني على وعي الطلبة السعوديين، ثم قال: انه لا يمكن ان ينسى ذلك اليوم الذي... فأوقفته مُستغرباً: كيف ما زلت تتذكر استاذنا القدير البروفسور فلان وقد رحل عنكم منذ سنوات طوال.. وأدركتُ انها السمعة الطيبة التي خلدها استاذي في نفوس هؤلاء.. ويقول أحد أساتذة كلية العمارة والتخطيط. إننا نجد قبولاً سريعاً في جامعة ميتشجان، وتسهيلات عظيمة، بسبب السمعة الطيبة، والأخلاق الإسلامية الحميدة التي تحلى بها الدكتور فلان، بيّض الله وجهه، ووجه كل سعودي كان نموذجاً جيداً للمسلمين.. وجزى الله خيراً كل من ساهم في تحسين سمعة المسلمين التي شوهها البعض..
وأما أحوال السعوديين المبتعثين في مدينة ملبورن الأمريكية فهي شيقة وأرى الاستشهاد بها لنتعلم شيئاً من قوة شخصية السعوديين وشدة تمسكهم بثقافتهم، ذلك التمسك الذي خضع له الكثير.. وللحوار فنون..
مدينة ملبورن مدينة هادئة تقع بولاية فلوريدا، ويتجمع فيها أعداد مُخيفة من الطلبة العرب، معظمهم قصد ملبورن للدراسة في معهد التكنولوجيا المشهور «FIT» ومعهد «ELS» لتعليم اللغة الإنجليزية.. اندهشت لأمر عاصرته بنفسي في هذا المعهد، وكلما رويته لشخص لا يصدقني، ولستُ بفضل الله كاذباً والمعهد موجود والمبتعثون موجودون، وباب البحث مفتوح..
وعندما تدخل في هذا المعهد تجد على اليمين جزءاً مفصولاً خاصاً بقواريرنا المسلمات العربيات المُحجبات اللاتي لا يرغبن الاختلاط، ولهن مدخل خلفي منفصل يحذر جميع الطلبة الاقترب منه، فتعليمات المعهد صارمة، ويتم تعليمهن عن طريق نساء فقط، ولا يسمح لأي رجل بالدخول عليهن حتى «المدير».. عندما سألتُ السيد «اليكس» وكان مدير المعهد آنذاك عن كيفية حدوث هذا الأمر عندكم في أمريكا، قال: هؤلاء «ربعك» السعوديين، اجتمعوا وطالبوا ان يكون هناك قسم مفصول خاص بنسائهم، وأصروا في طلبهم مُهددين بالبحث عن معهد آخر، يقول اليكس: فاحترمنا تقاليدهم ووافقنا على شروطهم لكي تستفيد نساؤهم.. ويستفيد المعهد «ومثلك خابر» علاقات دول وتبادل مصالح.. قلتُ بيض الله وجوههم ووجوه نسائهم الفاضلات.. وللمسلمين عادات.أودعكم بقصة مُضحكة عاصرتها بينما كنت في زيارة أحد أصدقائي مُخططي المدن المبتعثين إلى مدينة نيوكاسل البريطانية التي تقع على نهر «التاين» شمال انجلترا.. عرّفني صديقي هناك على أحد المبتعثين السعوديين الذين عاشوا سنوات طويلة في نيوكاسل، وكان رجلاً خفيف الظل عريض المنكبين.. ولهذا الرجل أطفال أشقياء حماهم الله بينما كانوا يلعبون كرة القدم مع أطفال بريطانيي الأصل والمولد والمنشأ، وإذا بأحد الأطفال البريطانيين وكان أحمر الأذن قصير القامة، سريع الحركة يقول بلهجة نجدية أصلية: «وشفيك أنت؟.. يا خي ناول»..!!
|