في أحد البرامج الحوارية الساخنة، قال أحد الذين ينتمون إلى الحزب اللبناني الشيوعي «أنا أحس بالانتماء إلى فقير مسحوق في بوليفيا وفي البرازيل أكثر من الانتماء إلى ثري متخم من الإمارات أو السعودية»
والمقولة السابقة طريفة جدا، كونها تجلب لنا صورة مثقفي اليسارالقدماء رواد المقاهي منذ سنوات ضوئية مضت والذين كانوا إذا أمطرت السماء في موسكو، فتحوا مظلاتهم اتقاء للمطر، أولئك الذين يقبعون في متحف التاريخ الآن.
وليس هذه القضية بالتحديد ولكن المناخ الفكري والسياسي في العالم العربي الذي يخلق هذا الولاء العقائدي المتخشب الذي يجعله يلغي أي وجود آخر ويتمحور حول يقينه الخاص.
فهذا الشيوعي الخارج من متحف التاريخ بعد انهيار سور برلين والبيروستريكا وتفتت الاتحاد السوفيتي، استبدل ولاءه القبلي أو لربما العائلي أو الطائفي بلبنان بالولاء الأممي الماركسي، بشكل متعصب ومتشنج ومنفصل عن واقعه الذي يجعله يلتحم مع مسحوقي بوليفيا أكثر من المحيط المجاور.
الآلية التي أنتجت هذا المناخ هي تحديداً التي أنتجت أصحاب المبادئ والمذاهب التي زرعت في العالم العربي طوال القرن الماضي وحولتها إلى أيدلوجيات صخرية متحجرة بعيدة عن مرونة الواقع وأطواره المتبدلة، يستجيبون بشكل مذعن ومحيد للعقل لتعاليم النظرية مهما كان بعدهاوغربتها عن الواقع، ونائية عن الصيرورة الكونية المتبدلة المتحولة. فلو كان لدى ذلك الحزبي المتحمس أدنى سعة نظر لاستطاع أن يحدد أولوياته وأهمية علاقاته، ولكنه يعيش في كهفه الخاص ذلك الكهف الذي استبدل ولاء العشيرة بالولاء الماركسي، ضمن نفس الآلية التي تتدرج تحت قول الشاعر الجاهلي:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
|
|