* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان انور:
عادت دوامات العنف لتلقي بظلالها المرة على الواقع الفلسطيني بعدما خرقت اسرائيل الهدنة التي لم تلتزم بها اصلا وصعدت من عمليات العنف بعد اغتيال اسماعيل ابو شنب احد قياديي حماس لتؤكد من جديد على سياستها العدائية وعدم رغبتها في اقامة سلام حقيقي أو البدء في تنفيذ خارطة الطريق وفي المقابل اعلنت منظمتا حماس والجهاد انهاء الهدنة لتعيش المنطقة حالة من التخبط وعودة العنف المتبادل.. ولكن ماذا تهدف اسرائيل من وراء تصعيدها العنيف ومواصلتها لعمليات الاغتيال وعدم التزامها بالهدنة؟ ماذا بعد انهيار الهدنة وتأثير ذلك على الداخل والفلسطيني وخاصة ان هناك مطالب اسرائيلية بنزع اسلحة المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية؟!
حول هذه التساؤلات التقت الجزيرة نخبة من المحللين والمفكرين السياسيين وخبراء الاستراتيجية
يرى الدكتور احمد يوسف أحمد عميد معهد البحوث العربية التابع للجامعة العربية انه كلما استشعرت اسرائيل ان هناك ضغوطا تمارس عليها تسارع الى نسف هذه الضغوط قبل حدوثها بقيامها بعملية اغتيال أو تفجيرات أو اقتحام مدن فلسطينية فاسرائيل كانت على وشك الدخول في مواجهة علنية مع الحكومة الامريكية بسبب الحائط العنصري الذي توشك على تكملته بعد اربعة شهور ورغم ان اسرائيل كانت ترى ان الضغوط الامريكية لا تتجاوز الضغط المعنوي الا انها سارعت بنسفها وتحميل المسؤولية على الفلسطينيين فشارون يدرك ان الضغوط الاخيرة على جدار الفصل العنصري سيشوه وجهه البغيض اصلا داخل الاوساط الاوروبية وجاءت العملية الاخيرة التي راح ضحيتها ابو شنب لاجبار الفلسطينيين على الاعلان عن انتهاء الهدنة رغم ان اسرائيل لم تلتزم بها اصلا من البداية ليعيد شارون صلفه وتعنته المعلن والمستفيد الوحيد من العملية الاخيرة هو شارون فسيقوم باستكمال جدار الفصل العنصري بدون لوم امريكي كما يقوم باعادة اقتحام واحتلال المدن الفلسطينية كما أن من نتيجة انهيار الهدنة أوقف أبومازن اتصالاته مع الفصائل الفلسطينية واهمها الجهاد وحماس وهذا ما تريده اسرائيل مما يعني وصول الامور الى حافة الصراع الفلسطيني الفلسطيني لان حماس والجهاد ترفضان نزع السلاح حيث رفضت اسرائيل المبادرة الفلسطينية باستئناف الهدنة الا اذا قامت السلطة الفلسطينية بتفكيك المنظمات الفلسطينية ونزع اسلحتها فالنتيجة هي العودة لدوامة العنف التي تطول كل شيء فاسرائيل لا تلتزم سياسيا أو اخلاقيا تجاه شيء يخص الفلسطينيين وتواصل عمليات ضرب واحتلال المدن ولن تفرج عن باقي المعتقلين وستقوم باستكمال بناء الجدار الفاصل. لذا نحذر فقط من الوقوع في فخ الاقتتال الداخلي والابتعاد عن المواجهات الداخلية الفلسطينية فهذا ما تريده اسرائيل
لغة العنف
ويقول الدكتور مصطفى علوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة انه لم يبق غير طريق واحد بعد ان قتلت اسرائيل الهدنة وهذا الطريق هو الجهاد ومواصلة اعمال المقاومة لاجبار اسرائيل وواشنطن على احترام ارادة الشعوب ومقررات الشرعية الدولية فاسرائيل لا تفهم غير لغة القوة والعنف وعلى الفلسطينيين ان يجدوا لانفسهم خطة وخريطة فلسطينية فقط للمواجهة لان واقع الامر لا تريد اسرائيل أي سلام وليست لديها نية حقيقية في صنع السلام واقامة دولة فلسطينية وهو الأمر الذي بدا واضحاً من أول يوم تولى فيه شارون السلطة وتنصل من كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني منذ اوسلو وحتى خطة خريطة الطريق التي لم يسع الى تنفيذها والهدنة التي لم يلتزم بها واصراره على مواصلة استهداف قادة المقاومة خاصة من حماس والجهاد واستمرار سياسة القتل والحصار والاقتحام وهدم البيوت كما بدا واضحا ان الولايات المتحدة منحازة انحيازا كاملا لاسرائيل وان التعويل على دور نزيه لها في اتمام عملية تسوية عادلة واقامة الدولة الفلسطينية التي وعد بها بوش فهذا سراب ففي الوقت الذي تتغافل فيه ادارة بوش عن كل جرائم الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الاعزل فانها تصف عمليات المقاومة بإنها ارهاب وتطالب السلطة الفلسطينية بالضغط لوقف هجمات المقاومة.
ويضيف علوي ان القضية الفلسطينية الآن بعد انهيار الهدنة باتت في مفترق الطرق فخطة الطريق تأكد انها وهم وخداع واهدار للوقت وقد استثمرها شارون لاستكمال بناء المستوطنات واقامة الجدار العازل لالتهام اكبر قدر ممكن من الاراضي وتحويلها الى كانتونات معزولة والطريق الثاني هو استجابة السلطة الفلسطينية للضغوط التي تمارسها اسرائيل عليها وكذلك الضغوط التي تمارسها امريكا ومنع قيام أي عمليات استشهادية كرد على الممارسات الاجرامية الاسرائيلية وذلك بزعم اتاحة الفرصة للسلام وتنفيذ خارطة الطريق المزعومة والامر المؤكد ان هذه الطريق تفتح الباب لحرب اهلية فلسطينية تكون لها تداعياتها الخطيرة على الشعب الفلسطيني ويتبقى الطريق الأخير وهو طريق الجهاد والمقاومة مهما كان.
تداعيات خطرة
ويؤكد الدكتور عبدالله الاشعل استاذ القانون الدولي ان الموقف خطير ويهدد بكارثة في حال عدم العودة لاستئناف الهدنة وامتثال اسرائيل للقرارات وقبول الوقف الفوري لحملة الاغتيالات لقيادات المقاومة واستمرارها في الهدنة من اجل انقاذ خريطة الطريق التي حاول شارون منذ اللحظة الاولى تدميرها بوسائل متعددة منها عدم الانسحاب من الأراضي المحتلة المنصوص عليها في مراحلها الاولى وعدم الافراج عن السجناء والمعتقلين وبناء الجدار الفاصل وهدا سيعيد دوامة العنف من جديد فمع اعلان اسرائيل حالة التأهب القصوى ومهاجمتها جنين واغلاقها الضفة الغربية وتقطيع اوصال غزة ووضعها لقائمة اسماء مطلوبين للاغتيال منهم الشيخ احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي وخالد مشعل وقد استباحت دماءهم فهذا التصعيد خطير ولا يفيد في أي شيء فاسرائيل تصر على ان تقوم السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن بتجريد منظمات المقاومة الفلسطينية من اسلحتها وادواتها بايدي قوات الامن الفلسطينية وهذا الامر صعب تحقيقه لانه سيؤدي لحرب اهلية واقتتال داخلي ولن يرضى الفلسطينيون بذلك ومن هنا يجب على المجتمع الدولي والامم المتحدة واللجنة الرباعية التحرك لاعادة الامور الى مسارها والضغط على شارون واجباره على تنفيذ الهدنة ووقف مسلسل الاغتيالات والانسحاب وتنفيذ بنود خارطة الطريق.
ويرى الدكتور ماهر قابيل عضو الجمعية المصرية للتحليل السياسي انه لم يتبق غير العنف بعد انهيار الهدنة فما يحدث يدخل الجانبين في دوامة اراقة الدماء مرة اخرى والشقاء والبؤس للطرفين والصورة تزداد قتامة عما قبل فقد تغززت الآمال كثيراً قبل شهرين بمجرد اعلان الفصائل الفلسطينية الهدنة ووقف هجماتها ضد اسرائيل غير ان قيام اسرائيل بعدم الالتزام فجر الموقف كله والتصعيد الاسرائيلي لعمليات المداهمة والاعتقالات والاغتيالات بداية لمرحلة جديدة من تصاعد العنف المتبادل وانتهاء خارطة الطريق الى لا شيء فاسرائيل صاحبة سياسة الدمار والخراب لا سياسة السلام وهم يعدون أنفسهم لمزيد من نزيف الدماء والدمار حيث تؤكد آخر استطلاعات للرأي لديهم بأن اكثر من نصف الاسرائيليين اعربوا عن توقعهم لمزيدمن العمليات الانتحارية خلال الأشهر القادمة والنتيجة هي استمرار عمليات الانتقام والعنف المتبادل وموت خطة السلام المعروفة باسم خارطة الطريق وهذا يتطلب التدخل الفوري لوقف هذا التصعيد والزام اسرائيل بتنفيذ التزاماتها وعلى الولايات المتحدة الأمريكية القيام بدور كبير في هذا السياق.
|