كم مرة نسمع معاشر الوالدات أو الوالدين يتضجرون من أولادهم قائلين:
«إن كان هذا الولد كثير السفاهة فإنما الحق على جدته دللته حتى أصبح لا يطاق!.. أعطته كل ما طلب وأغمضت عينيها عن كل شذوذه.. ونحن الآن نتحمل النتائج!»:
هذا مختصر لوضع عائلي شائع يجوز أن تسميه وضع الولد «المدلل» وقد ينتهي هذا الوضع إلى مأساة حقيقية إذ تتحزب الجدة للولد ويقع الوالد في حيرة شديدة بين الزوجة وأمها إلخ.
وسرعان ما يلاحظ الولد هذا الخلل ويستغل الموقف كما يقال!
حب الاستبداد من طبائع الطفل
ولا بد للجزم بالأسلوب التربوي الصحيح، من معرفة بعض طبائع الأطفال، فإن الطفل مركب بالغريزة على حب الاستبداد، وعلى الجموح.
والسبب في ذلك أن في نفسه قوى كامنة ينبغي له أن يطلقها بشكل من الأشكال، وهو يسلك هذا الأسلوب حتى فيما يتعلق بقوته البدنية، فتراه لا ينفك عن الحركة وعن تكسير كل ما تطوله يده، وإذا استغفل أهله فربما ضرب أخته الصغيرة من غير سبب! فجل ما يدفعه إلى ذلك إنما هو حاجته إلى تجربة قوته العضلية.
وهذا شأنه أيضاً في حب الاستبداد، فجل ما يقصده من وراء العناد والجموح إنما هو امتحان ارادته وتحرير القوى النفسية من عقالها. ويصح القول ان الولد الذي صورته كما وصفناها، هو الولد الطبيعي وينبغي أن يتوسم منه خير. وأما الولد الخامل البليد الذي لا قدرة له على المعاندة والمصادمة، إنما هو ولد غير طبيعي وربما كان مريضاً.
وإنما فن التربية كامن كله في معرفة هذه الخصائص والغرائز لدى الأطفال، ثم سلوك أسلوب يقوم الاعوجاج والانحراف من غير أن يكسر عنفوان الطفل ويكبت اندفاعه فيخنق قواه ويحوله إلى خشبة جامدة!
والمطلوب من الأهل ألا يتنازعوا الطفل، إن صح التعبير، بل يتعين عليهم أن يقفوا منه موقفاً واحداً لكي يعطلوا عليه سبيل التلاعب والتحايل، ولا يجوز في أي حال أن يبلغ حد السفاهة والوقاحة، وباب السفاهة مفتوح على مصراعيه للولد إذا لاحظ مثلاً أن أمه تسرع إلى ارضائه وإعطائه ما منعه عليه أبوه! أو إذا لاحظ أن جدته توافق على رأيه حين يأتيها باكياً متظلماً من موقف أمه منه!
ومن نقائض الطفل أنه في آن واحد أميل إلى الدلال ويريد أن يحصل على كل ما يخطر بباله من رغائب، ولكنه يحب أن تعترضه من حين إلى آخر ارادة صامدة تصد طغيانه وإذا توغلت في التحليل النفسي رأيت أن الولد المدلل إنما يتألم في ذات نفسه إذ يلاحظ أنه ليس أهلاً لمعارضة والديه له وخلافاً لما يظنه الأكثرون.
لا يستنتج من تهافت أهله على اشباع رغائبه كلها، إن هذا الموقف هو عين الحنان ومنتهى الحب، بل إنه إما عدم اكتراث وإما رخاوة.
وإذا تعجب الأهل من هذا التحليل فلا بد لهم من العلم أن الطفل ليس له وعي لهذه الحركات النفسية المتناقضة، بل إنما تتجاذبه هذه الحركات في المنطقة غير الواعية من النفس أو منطقة «اللاشعور» كما يسميها علماء النفس.
|