الخصام بين الزوجين اللذين يجمع بينهما الحب والمودة والرحمة يصبح (ملح الحياة) الذي تطيب به، والملح ضرورة للطعام إلا الذين يعانون من مرض، وهكذا هو في الحياة الزوجية، ذلك لأن رجعة الزوجين لبعضهما بعد خصومة قصيرة يعطي لحياتهما حلاوة ومذاقاً وتجديداً يعرفه جيدا الأزواج الذين جربوه دون ضغينة.
ولكن المشكلة التي يعاني منها بعض الأزواج من رجال ونساء تكمن في كيفية هذه الرجعة.
والتساؤل الذي تطرحه هذه المشكلة إذا صح أنها مشكلة مَنْ مِنَ الزوجين يبدأ بمصالحة الآخر؟ وللأسف الشديد بيننا رجال يعتقدون أن على المرأة مصالحة الزوج في كل مرة يشجر بينهما خصام بصرف النظر عن المخطئ، وهذا لعمري منتهى الجهل بحكم الشرع الذي لا يميز بين الرجل والمرأة في الحق والباطل، وفي الخطأ والصواب.
قال لي صديق يحمل شهادة عالية: إنه لا يمكن أن يصالح زوجته إذا اختصم معها حتى ولو كان هو المخطئ.. فقلت له: لماذا؟ قال: لأنه رجل وهي امرأة؟ وأكد لي هذا الصديق أنه يحب زوجته، ولكن كرامته كرجل لا تسمح له أن يتنازل لها.
فقلت له المقولة الشرعية: إن الرجال تُعرف بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال ، وإن ما تسميه «كرامة» ليس إلا «كبرياء جاهلية» لأنها لا تتفق مع دين ولا خلق.
وإذا كانت الزوجة تصالح زوجها المخطئ في حقها حباً له ولأن المرأة المسلمة دائماً «حمالة الأسية» فإن هذا لا يعني أن يتسمرئ الزوج هذا التسامح، وهذا الحب، وهذا الحرص على الحياة الزوجية من طرف الزوجة.
والحقيقة أن الذي يحب زوجته لابد أن يحترمها واحترامه لها معناه أن يشعر أنها إنسان مثله لها أحاسيس ومشاعر وكرامة ولها غرور لابد من إرضائه من حين لآخر ومثلما تفعل هي معه.
إن مصالحة الزوجة لزوجها ليست عيباً في ذاتها بل هي من مكارم أخلاق التعامل مع الزوج، لكن استمرار الزوج في جعلها تصالحه دائماً عندما يكون هذا المخطئ يورث في نفسها الضغينة عليه وكراهيته لا شعورياً، الأمر الذي يهدد بدمار الحياة الأسرية.
إن الأزواج الذي يستغلون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «إن الملائكة تلعن امرأة بات زوجها عنها وهو غضبان» يقصد به المرأة تعصي زوجها في أمر ليس فيه معصية الله، وليس المقصود به المرأة التي يذلها زوجها ويخطئ في حقها دونما سبب تستحق عليه ذلك، ثم يذهب إلى فراشه وهو غضبان فيهدد زوجته بلعنة الملائكة لها طوال الليل إن لم تصالحه وتعتذر له، لماذا؟ لأنه رجل فهو على حق وهي امرأة فلابد أن تكون مخطئة !!
تدخل الأهل بين الزوجين
تعمد بعض الزوجات إلى إشراك أهلها في خلافاتها مع زوجها فتخبر أمها أو أباها أو تثرثر بأخبارها الخاصة أمام أخواتها فتسمع نصيحة أو كلمة عابرة من هنا أو هناك فيزداد الأمر تعقيداً.
والحقيقة أن تدخل الأهل في الشؤون الخاصة للزوجين، سواء كان أهل الزوج أو أهل الزوجة، قد يزيد المشاكل ولا يحلها مهما كانت النوايا حسنة، والزوجة الذكية الواعية تحرص على عدم إشراك أي طرف فيما بينها وبين زوجها، وخاصة والديها وكذلك الزوج، واحتواء الخلاف بين الزوجين خلال يوم أو يومين بمبادرة من أحدهما أقرب للمحبة والرحمة التي يتأسس عليها زواج مبارك بين رجل وامرأة، ولا يتحقق هذا إلا إذا كان هناك اتفاق غير مكتوب..اتفاق مكتوب بقلم التفاهم على ورق الحب ينص على أن كلا منهما يتنازل عن حقه لصالح شريكه في الحياة، ولو حدث هذا لما تذكر كل واحد منهما من أخطأ في حق الآخر، ولما فكر في من منهما عليه أن يبدأ مصالحة الآخر.
إن الزوجة الكتومة على أسرار حياتها الزوجية، هي الزوجة الحريصة على إبقاء سفينة سعادة هذا الكيان بمنأى عن هزات العواصف وشروخ الزلازل. وإذا كانت الثرثرة وكثرة الشكوى والقيل والقال مرتبطة بالنساء أكثر من الرجال، فإن الحياة تشهد لنساء كثيرات أكثر كتمانا لأسرار حياتهن الزوجية من الرجال، لأن هناك رجالا للأسف عن جهل أو استهتار أو هما معا، يسربون معلومات دقيقة عن حياتهم الزوجية يستغل شروخها غيرهم، كما أن هناك أزواجا ينثرون بين يدي أمهاتهم كل صغيرة وكبيرة تحدث بينه وبين زوجته، ويبدأ يستمع إلى مسلسل تفسير أمه لسلوك زوجته التي تريد أن تبتلعه وتبعده عن أهله وتستفرد به، وتغربه عن رحمه فيقطع صلته ومودته إلى آخر هذه «الوساوس» التي تعشش في عقول بعض الأمهات الطيبات الساذجات عفا الله عنهن فيبنين بهذه الوساوس جدارا نفسيا بين الزوج وزوجته. وفي هذا لا يقع اللوم على الأم لأنها تفعل ذلك بدافع عاطفتها العظيمة نحو ابنها وحرصها الشديد اللاشعوري على بقائه في حجرها وتحت نظرها لتؤكد لنفسها أن المرأة الأخرى الزوجة لم تستطع اختطاف ابنها منها. اللوم كله يقع على الرجل الذي يفعل ذلك وهو أمر لا يليق برجل يحترم شريكة حياته ويحرص على استقلال حياته الزوجية من أي تدخل حتى ولو كان من أمه وأبيه.
أن تدخل الغير بحسن النية وبقصد إصلاح ذات البين يصلح كل خراب ويحل كل مشكلة.. إلا ما يحدث بين الزوجين فإنه يغسله، والذين جربوا كتمان أسرارهم عن أهاليهم وغير أهاليهم استطاعوا بسهولة جمع خيوط خلافاتهم، وحل عقدها بسهولة ويسر ما دام هناك استعداد للتفاهم وأرض صلبة من المودة والمحبة يقفون عليها.
|