عجباً لذاك الصخب المتكالب والضجيج المتنامي الذي بات يدمي ضمائرنا واحاسيسنا ويصيبنا بالدوار.. عزف صاد على وتر الدعايات وكان امتطاء لصهوة الاعلانات التي باتت تملأ اركان الزوايا وتغرق الصحف عبر اكثر من صورة وبأكثر من اسلوب.. لتسهم في خداع المستهلك والتغرير بالجمهور وسحب بساط اهتمامه وتواصله المدهش.. ويزداد الامر غرابة ليصل الى تسديد الديون وسحق القروض كما توصي خدمة الرقم السحري «700»..
كنت اظن ان النساء اكثر اندفاعاً واخلص اتباعاً للمسلسلات الدعائية والافلام المدبلجة التي ترسمها ريشة الاعلانات لتلون بها عقول المستهلكين وتدغدغ مشاعرهم في زمن استحوذت فيه ثقافة الاستهلاك على زمام الجيوب ولكنني اكتشفت ان هناك فئات من الرجال مغرمون بملاحقة الشعارات الدعائية منخدعون بالطرق التخفيضية التي تحاول تمرير بضائع رديئة وسلع متكدسة ومن ثم تراهم يحرثون الصحف بحثاً عن مسابقات المحلات التموينية وانتهاز العروض التجارية التي تزف الى عملائها ربحاً جاهزا او هدايا معلبة ليغرق اولئك في كومة من كوبونات الغفلة.. فما بالك بمن يضيع ماله ووقته في اتصالات الوهم سعيا وراء السراب.
حقا ينالك العجب من كثافة الموال الدعائي وصخب ايقاعه وتجلي خطوطه الحمراء ليقدم لنا نماذج بشرية معبأة بتفاصيل النمط الاستهلاكي وتباين لغته وتنوع اساليبه وعباراته، بل ان الخطاب الدعائي اصبح عنصرا تجاريا في حد ذاته بشكل لا يقل عن رأس المال .. لانه وجد بيئة استهلاكية خصبة وشرائح انسانية مغرمة بالشراء والتجريب وحب التغيير والملل من البضاعة الواحدة..
قف لحظة.. ارسل ناظريك بعيدا.. في ثنايا المحلات النسائية بمعارضها البراقة لتطالع عبارات التخفيض المزيف في واجهاتها المخملية وتندهش من عروضها المضللة عبر مداخل متخمة بفلول حواء!! ولا عزاء للنساء.. ولا نقل عن لظى الاسعار وتباينها بين معرض وآخر.. فأين دور وزارة التجارة؟!
والمتأمل في فضاء الاعلانات يستغرب من النمط البنائي والاسلوب التجاري الذي بات يهيمن على مدلولها : عبارات معسولة ومفردات مغرية وعروض براقة وكأن السذاجة قد حجبت عقول البعض من المستهلكين وحطت أذهانهم.
وكم من بضاعة مغشوشة وسلعة رخيصة جاءت تزحف فوق متن اعلان مبهرج جذاب ودعاية منمقة مما يوقع الكثيرين فريسة سهلة في فخ الاعلان المتوهج كصيد ثمين يكشف حاجة التربية الاسرية الى اعادة تشكيل لاسترجاع مفردات الوعي المفقود في ميدانها الرحب.
ويدخل في ذلك عروض التقسيط الجائر الذي يستغل حاجة البعض ليمارس امتصاصاً ظالماً لدخله الشهري واقتطاعاً حاداً لراتبه.. الى هذا الحد وصل الجشع!!
وسيطرت امواج الكسب السريع عقول تجار الطمع!!
انها دعوة صادقة الى ارباب الاسر بتنوير اسرهم وتوعيتهم وتحذيرهم من الوقوع في براثن الاعلان التجاري والركض وراء وميض الصراعات الشرائية البراقة او تصديق فرص التخفيضات المزيفة فالبضائع الرديئة المزورة تأتي في موعدها المعتاد.. والاسعار قطعة من نار.. والتاجر دائما يريد الكسب بأقصر الطرق.
واكرر الخطاب رافعاً صوتي الى الجهات الرقابية وفروع حماية المستهلك في وزارة التجارة مؤكدا ضرورة تدخلها في المحلات والمعارض النسائية لوضع حد لتجاوزات اصحابها وتلاعبهم بالاسعار مستغلين اندفاع حواء وانبهارها بالقطع والمقتنيات والملابس والاكسسوارات التي تهيمن على عقلها لتشتري بأي ثمن!!
ومن ثم تجار البضائع والسلع الرجالية يندبون حظهم مقارنة بغيرهم باعتبار ان الرجل اقل اقتناء وتغييراً لحاجياته من المرأة.
ويظل الاعلان التجاري فقاعة صابون او نقطة ضوء تلمع لكنها لا تنير.. وكل اسرة مطالبة بالارتقاء بالفكر الشرائي لأفرادها واستيعاب خيوط اللعبة التجارية التي يمسك بها تجار عبثوا بحقيبة الاسعار.. وصرفوا لغة المشهد التجاري..
محمد بن عبد العزيز الموسى - بريدة
|