حينما تحتدم الفتن، وتشتد الأحداث، ويبارز عصاةُ البشر ربَّهم سبحانه وتعالى بالمعاصي والآثام، ويصبح المنطق البشري مقلوباً حتى تسمى الخيانة أمانة، والاعتداء بطولةً، والرذيلة فضيلة، وحينما تهون دماء البشر على بعضهم هواناً يجعل قتل الآلاف منهم في يومٍ واحدٍ أمراً معتاداً تراه العين فيما ترى من المشاهد اليومية الدامية، وحينما تضيع قيمة العرض، وتتلاشى مكانة العفَّة، وتصبح النِّساء سلعةً لعرض الشهوات في كثير من القنوات، والصحف والمجلات، حينما يحدث ذلك الفصام النكد بين الإنسان وتعاليم الدين، فما عليك - أيها الإنسان المسلم - إلا أن تكون مع «الله»، كما يجب، لأنك ستكون مع الحق، ومن كان مع الحق ربح وارتقى بنفسه، وحصَّن عقله وقلبه، وأقام سياجاً من الإيمان والتقوى يحميه من الزَّيغ والهلاك.
كن من الله ولا تُبالِ بهذا العالم الهائج المائج، وما يعرضه من الضلال والضياع والانحراف، «كن مع الله»، لأنك ستكون عنصر خيرٍ للبشر حينما يطغى الشر، وستكون دليلاً للحيارى يدلهم على طريق الصلاح والنجاح، وستكون مرشداً للتائهين يبعدهم عن الهاوية التي يسوقهم إليها دعاةُ الرذيلة، وأعداء الخلق النبيل.
«كن مع الله» لأنك ستعرف - بهداية الله - طريق الحق المستقيم الذي يوصِّل إلى أسمى غاية، وأشرف نهاية، وما دمت تناجي ربك بقولك: «اللهم أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه»، فلن يخذلك من تناجيه، ولن يُسلمك إلى أعدائك من تستنصر به.
«كن مع الله» وأبشر بالنجاة، لأنك ستعتمد على ركن مكين، يحيط بهذا الكون ويعلم السرَّ وأخفى، ويقدِّر كلَّ ما تراه وتسمعه تقدير الحكيم الخبير الذي لا يعزب عنه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير، ولأنك سترى المظاهر الزائفة على حقيقتها فما تصيبك مظاهر القوى البشرية باليأس، ولا تقتل همَّتك بالانهزام، وكيف ينهزم من يكون مع الله.
«كن مع الله» سترى أنَّ هؤلاء البشر الذي تضخمت نفوسهم المريضة، حتى ظنَّوا أنَّهم يسيطرون على الكون، ليسوا سوى مَرْضى بالوهم القاتل الذي شلَّ عقولهم عن التفكير الصحيح، فمضوا يخبطون خبط عشواء في عالمٍ فسيح تجوبه آلاتهم المختلفة وهم لا يشعرون بما سوف يصلون إليه من نهاياتٍ مؤلمة كتلك النهاية التي وصل إليها من سبقهم من أصحاب الظلم والطغيان، من أمثال ذلك المتعالي الذي أغرقه الطوفان، فكان من المغرقين.
«كن من الله» فسوف تشعر بالشفقة على الناس الذين انخدعوا بدعاوى الحرية الكاملة، والتطوُّر، والديمقراطية، والعدالة، والمحافظة على حقوق الإنسان، وسوف تسعى بما لديك من البصيرة والرشد إلى دعوتهم، وإرشادهم، وتحرص بما لديك من الهدى واليقين، والإيمان الراسخ برب العالمين على انقاذهم من منحدرات الضياع التي تدفعها إليهم كفُّ الدنيَّة الملحدة العمياء.
«كن مع الله» فسوف تعيش بهذه المعيَّة عيشة هادئة رضيَّة، منشرح الصدر، مطمئن النفس، صافي القلب، بعيداً عن التنطُّع والغلوِّ، سليماً من سوء النية، وسوء الظنِّ بالناس، معافى من الحقد والحسد، والإفراط في العداوة والبغضاء، التي لا تجلب إلى الناس إلا الشقاء.
«كن مع الله» فسوف تكون واضح الرُّؤية، نافذ البصيرة، محبَّاً للخير، داعياً إلى الله، مستوعباً لما يجري في هذا الكون من الوقائع والأحداث، قادراً - بتوفيق الله - على اتخاذ القرار المناسب، والموقف الصحيح من الأحداث والأشخاص، لأنك سترى بنور الله، ما دمت مع الله سبحانه وتعالى.
في عصرك - أيها الحبيب - ظلام كثيف، وسراديب مظلمة، لن ينجيك منها إلا أن تكون «مع الله» بصدقٍ وإخلاص.
إشارة :
حدثونا عن الهوى فظننا
أنهم في الهوى كقيس وليلى
وبلونا شؤونهم فعلمنا
أنهم أتخموا إلى الغربِ مَيْلا
|
|