Tuesday 26th august,2003 11289العدد الثلاثاء 28 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من المنطق شيء من المنطق
نحن وأمريكا والحاجة إلى فهم الواقع
د. مفرج بن سعد الحقباني

كان الاتحاد السوفيتي لاعباً مؤثراً على الساحة السياسية بما يمتلكه من قوة عسكرية هائلة، مكنته من منازعة أمريكا السلطة والنفوذ على المستوى العالمي، إلا أن القوة العسكرية وحدها لم تكن كافية لاستمرار قوة هذا الاتحاد ولم تكن كافية لمقاومة عوامل النقض الفكرية والسياسية والاقتصادية التي كانت تنخر في العامود الفقري للاتحاد السوفيتي حتى صار دويلات متفككة ليس لها نفوذ على الساحة العالمية.
واليوم نعيش في عالم يخضع بكل المعايير لسيطرة أمريكية شاملة لكل جوانب الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية حتى صار من معطيات التعامل الدولي التسليم بهذه الحقيقة التي لا يعارضها إلا جاهل أو مكابر.
وفي ظل هذه الحقيقة الدامغة ربما يتبادر إلى الذهن سؤال مهم حول مدى قدرة العالم أجمع على منازعةالولايات المتحدة لهذه السيطرة العالمية وحول قدرتنا كعرب ومسلمين على إحداث تأثير نوعي على طبيعة العمل السياسي والاقتصادي العالمي. في اعتقادي أننا وبحكم انتمائنا الإسلامي العربي مطالبون بالنظر إلى الشق الأخير من السؤال لتحديد الإطار العام للتعامل مع هذه القوة المؤثرة ولتحديد المسارات التي يمكن من خلالها تحقيق الاستفادة العظمى من الواقع لخدمة الهدف الإسلامي الذي نسعى جميعاً إلى تحقيقه. ولكن حتى نستطيع تحديد هذا الإطار العام لابد من معرفة واقع العلاقة وحجم الفارق بين الجانب الإسلامي من جهة وبين أمريكا من جهة أخرى. وهنا ربما لا نحتاج إلى الأرقام حتى نثبت أن العالم الإسلامي لا يستطيع حتى إطعام شعوبه الجائعة ويعتمد وبشكل مباشر على استهلاك المنتج الأمريكي في معظم جوانب حياته المختلفة كما لا نحتاج إلى الدليل لنثبت أن معظم دول العالم الإسلامي تعيش - وللأسف - على ما تحصل عليه من معونات مالية أمريكية وعلى ما تقدمه هذه الأخيرة من تسهيلات اقتصادية وتعليمية لهذه الدول الإسلامية. ولتبيان حجم الفارق بين هذه القوة العظمى ودول العالم الإسلامي نشير إلى أن الدعم المالي - لاحظ الدعم وليس كل المبلغ - الذي خصص لمكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يفوق الميزانية السنوية لمعظم الدول الإسلامية. كما نشير أيضاً إلى أن ميزانية شركة ما كدونالد دوجلاس تفوق ميزانية الدول العربية مجتمعة وغير ذلك من الحقائق التي تكشف واقعنا وتفرض علينا أن نتعامل مع هذه القوة المؤثرة بمنطق وعقلانية بعيدين كل البعد عن العواطف التي تثير في كثير من الأحيان عاطفتنا الإسلامية التي نعتز بها ونحرص على صيانتها من المؤثرات الخارجية.
فإذا كانت المعطيات تقول بعدم القدرة على المنافسة فإن المنطق السليم والمنهج القويم يفرض علينا العمل الجاد من أجل تطوير الذات الإسلامية ونقلها من خانة السلبية إلى خانة الإيجابية على كافة المستويات بدءا بالأسرة ومروراً بحقول العلم والعمل وانتهاءً بميدان العمل الدولي.
وفي اعتقادي أن تحقيق مثل هذا التطوير يعتمد وبشكل مباشر على قدرتنا على التعايش السلمي مع الواقع كخطورة ضرورية لتحقيق الاستفادة القصوى من معطيات الحضارة الأمريكية التي كانت ولا تزال متاحة للجميع كما تشير بذلك قوافل المبتعثين العائدين من تلك الديار.
وأخيراً أجد أن من الضروري أن نكون أكثر شفافية وأن نتبنى ثقافة منطقية تتعامل مع الحقائق أكثر من تعاملها مع العواطف وأن نبتعد عن التنظير الذي ربما يقود إلى التهلكة. فهل يعي أبناؤنا هذه الحقيقة.. أتمنى ذلك ..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved