إن قضية تغيير المفاهيم والرؤى السائدة بحاجة إلى دراسة متعمقة ودقيقة لعقيدة المجتمع وثقافته وعاداته وتقاليده وموروثاته، ولذلك فإن الدعوة نحو التغيير بكافة جوانبه عملية غير مجدية بل مضيعة للوقت إذا لم يواكبها وعي تام ودقيق بهذا التحليل.
ولنتمعن في الثقافة الصينية بحضارتها العتيقة وصرامتها المعروفة في الحفاظ على الموروث واحترام الأعراف والتقاليد الشعبية ورفضها لكل ما يمس هذه الثقافة ويزعزع قناعة أفرادها بها وبمبادئها وقيمها وفلسفتها في الحياة.
أليست هذه الثقافة ثقافة صلبة بصلابة سور الصين وعمقه في التاريخ؟ أليست عصية على التغيير جامدة في قالب وإطار الموروث الصيني القديم؟ لكن لننظر في تجربة الصين وانفتاح المجتمع الصيني في الوقت الحاضر وقبوله بحذر لكل ما يصل من المجتمع الغربي أفكاراً ونظريات وتجارب بل حتى صناعة ومنتجات غربية فالبيبسي أصبح مشروباً تقليدياً في الصين والهمبرجر وجبة مقبولة والجينز لباساً متعارفاً عليه، حيث كانت هذه المنتجات في عرف المجتمع الصيني في وقت سابق غزواً فكرياً وتقليدياً وتبعية للثقافة الغربية، بل اعتبرت مصدر خطر على الحضارة الصينية وتهديداً لمنجزاتها وزعزعة لمبادئها وفلسفتها وقيمها الحضارية.
هذا القبول للتغيير الذي مهد له بأفكار إصلاحية وبرامج تطويرية يؤكد ان تغيير المجتمعات ليس بالقوة العسكرية ولا بالحروب المستمرة بل من خلال القوة الفكرية والكلمة المؤثرة الواقعية لأنها ترسخ القناعة بها وبنتائجها وايجابياتها.
نحن لا ندعو إلى الرضوخ للغزو الفكري الذي اتسم على مدى التاريخ المعاصر بالسلبية والجوانب المظلمة أو الذوبان في الثقافات الأخرى، بل ندعو إلى نقل المجتمع من حالة الرفض للتطوير الذاتي والتغيير الايجابي إلى حالة يكون فيها المجتمع مجتمعاً قابلاً للتغيير قادراً على المواءمة بين حاجاته ورغباته المتطورة والظروف الخارجية المتقلبة والمتطورة بوتيرة أسرع وأعمق من هذه الحاجات، ولكن بشرط ألا تكون هذه المواءمة على حساب عقيدة المجتمع ودينه وثقافته ومنجزاته الحضارية. إذاً، لكي يتم الوصول إلى أفضل النتائج نحو تغيير الوضع القائم يجب اعادة النظر في كثير من الوسائل المستخدمة والطرق الحالية لتحقيق الهدف من التغيير.
وحتى تكون رؤيتنا اكثر دقة فإن التغيير الذي يتصف بالأهداف الواضحة والوسائل الممكنة ويتفق مع قدرات وإمكانيات وقناعة القائمين عليه ويلائم ظروف المجتمع وتطوراته ويمول باستمرار ويدعم فكرياً ومادياً ومعنوياً من مسؤولي وقيادات ذلك القطاع «ثقافي، ديني، سياسي، تقني، إداري.. إلخ» يعتبر التغيير في هذه الحالة وسيلة ناجحة وفعالة لتحقيق الأهداف المرسومة في أي مجال.
عبدالله مداري الحربي/
باحث متخصص في شؤون التغيير والتطوير التنظيمي
|